الإثنين التاسع عشر من تشرين أوّل أكتوبر عام ١٩٢٥.
الحريق يتأجّج في حيّ الشاغور ويمتّد باضطراد مع دويّ كلّ انفجار جديد. الاستعار على أشدِّهِ في موقِعٍ مجاورٍ لم نستطع تحديدَهُ تماماً كوننا سجناءٌ في حيّنا (١) عاجزينَ عن معرفة ما يجري في المدينة في الوقت الراهن ولم نجدُ أحداً بإمكانِهِ أن يشرح لنا. علّ اللهب يتصاعد من بيت العظم؟ (٢) بدلالة ألسنةِ نارٍ بلون الدماء على مئذنة الجامع الكبير الجنوبيّة الشرقيّة (٣). لربّما كان المُسْتَهْدَف الجنرال Sarrail الذي يقطن فيه حاليّاً (٤). حاوَلْتُ أن أخرجَ في جولةٍ محدودة بهدف الاستطلاع مَرَرتُ خلالهها أمام بطركيّة الروم الأورثوذوكس التي بَدَت بمثابة ملاذٍ مُحْكَم الإغلاق ومنيعٍ على المهاجِمين. تجلّت النظافةُ والنضارة في بلاط البناء الذي عرَّشَت فوقَهُ الكروم حيث تجمّعت حشودٌ من اللاجئين من الفلّاحين المسيحييّن وحتّى المسلمين ممّن احترقَت قراهم تحت حماية غريغوريوس الرابع، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق، العالِم باللغة والثقافة العربيّة والحائز على احترام جميع مثقّفيّ البلاد. سَهِرَ المذكور على تأمين الملجأ والغذاء للمنكوبين من الرجال الحمر العيون المعتمرين بالحطاطة والعقال الجالسين في الباحة إلى جانب بقجهم (صرر ملابسهم وأمتعتهم) الهزيلة التي رَبَطوها وحَزَموها على عجل بينما تجمّعت النساء من حوران في باحةٍ ثانية حيث تراهنّ يجلسن القرفصاء قربَ أطفالِهِنّ. تميّزت هاته الفلّاحات بوشمهنّ الأزرق وثيابهنَّ السوداء المزيّنة بأشرطة لازورديّة اللون. يخالُ المرءُ أنّه أمامَ مشهدٍ من القرون الوسطى (٥) في حمى جدران الدير المنيعة على الانتهاك أو ضمن أسوار مدينةٍ محصّنة يلعب الأسقف فيها دور المدافع عن الضعفاء والمعوزين.
(١) باب توما.
(٢) قصر العظم.
(٣) مئذنة عيسى.
(٤) مقرّ المندوب السامي في بيروت ولكنّه كان ينزل في قصر العظم لدى مجيئه إلى دمشق.
(٥) في أوروپّا طبعاً.
No comments:
Post a Comment