Tuesday, September 26, 2023

بداية النهاية

 


استعرضت القوّات الفرنسيّة، منذ عودتها إلى إقليم الدروز، أعلامها وبيارِقَها تباعاً في المقرن الغربي والشمالي والجنوبي وخاضت ثلاث معاركٍ كلّلَها الظفرُ في السويداء وأمّ الرمّان وصلخد أضف إليها عدداً كبيراً من الاشتباكات. كرّست فرنسا في هذا المجهود إرادتها بالانتصار على التمرّد الذي اندلع ضدّها دون وجه حقّ وبرهنت للأهالي في نفس الوقت أنّها قادرةٌ، إلى جانب الحزم والصرامة التي ميّزت عمليّاتِها، على فعل الخير والإحسان. 


بإمكاننا اليوم القول أنّ القوّة التي استعملناها أنجزت قمع التمرّد في هذه الأقاليم الثلاث وأنّ الغالبيّة العظمى من الدروز أقرّت بخطأها. عادت الحياة الطبيعيّة إلى المدن والقرى واستأنف الفلّاحون عَمَلَهم في الحقول. ليس الأمن والطمأنينة بعد على أحسن ما يرام نظراً لأعمال اللصوصيّة التي لا زالت العصابات تمارسها بيد أنّ "الثورة الوطنيّة" - كما أسماها أصحابُها - ماتت. 


مع ذلك هناك إقليمٌ لم ندخُلُه بعد - باستثناء تماسّنا مع تخومِهِ في تموّز الماضي. هذا الإقليم هو المقرن الشرقي، أعالي جبل الدروز ومنحدره الشرقي الذي ينتهي إلى صحراء الصفا البركانيّة الشاسعة. هناك عددٌ من القرى الهامّة في المقرن الشرقي وجَبَت علينا زيارتُها وطمأنَتُها خصوصاً وأنّ العصابات لا تزال تعيث فيها الفساد.  


سَبَقَ أن نُظِمَ في هذا المقرن طريقٌ صالحٌ للعربات تحت إدارة حاكم الجبل Carbillet. يجتاز هذا الدرب الجبل من الشمال إلى الجنوب على مسار ذراه وعلى طول امتداده تقريباً. أكّد لنا الأعيان أمراً في بالغ الأهميّة ألا وهو صَلاح الطريق للشاحنات. من المقدّر أن تستغرقَ العمليّةُ عشرةَ أيّامٍ على الأقلّ ومن المستحيل أن نؤمّن مستلزمات الطعام والشراب لأربعة آلاف رجل وألفٍ وثمانمائة من الحيوانات التي تشكّل قوامَ الرتل دون استعمال الشاحنات. 


يتبع.




الصورة الملحقة لبطاقة بريديّة أُرْسِلَت في الرابع عشر من تشرين ثاني نوڤمبر عام ١٩٢٧ عنوانها "انطلاق الرتل من السويداء". هناك عددُ لا بأس به من الكروت الپوستال من عهد الانتداب التي تصوّر ليس فقط العمليّات العسكريّة، وإنّما أيضاً آثار القصف والدمار كما في دمشق ممّا سيأتي ذكره. حتّى مشهد شنق إبن حسن الخرّاط على رؤوس الأشهاد مع إثنين آخريَن في ساحة المرجة طُبِعَت منه بطاقاتٌ بريديّة طُرِحت بكل بساطة في الأسواق إلى أن أدرك بعض المسؤولين، ممّن احتفظوا بالحدّ الأدنى من العقلانيّة وحسن المحاكمة، حماقة هذه الدعاية الخرقاء وسحبوا الصور من التداول.   












Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937.


No comments:

Post a Comment