يمرّ وادي اللواء بين مرتفعاتٍ شديدة الانحدار هابطاً من جبلٍ شاهقٍ ليلتفّ من الشرق حول هضبة شهبا البركانيّة متابعاً سيره نحو الشمال لينتهي في سهول البراق الواطئة. الوادي كثيرُ الحجارة تشكّلُ صخورُ اللجاة الشاقوليّة خاصرَتَه الغربيّة بينما تتموّج تضاريس الخاصرة الشرقيّة الغنيّة بالكلأ والأراضي الموائمة لرعي الحيوانات. يجفّ مجرى الماء في قاع الوادي خلال الصيف ويصبحُ سيلاً عارماً يجرف كلَّ ما اعترضَ سبيله في فصل الشتاء.
شعبُ الإقليم البركاني فقيرٌ يعوزه الصقل. اتّخذ السكّان قديماً، قبل مدّ سكّة الحديد، قطعَ الطريق مهنةً يقتاتون من ورائها على حساب القوافل والقرى الأكثر تطوّراً على الهضاب المرتفعة التي عاش فيها خصوصاً أصدقاؤنا من آل عامر الذين وقفوا إلى جانبنا قبلَ الثورة واليوم يريدون الرجوع إلينا.
الشيخ عزّ الدين الحلبي (أحد كبار الملّاك في دمشق ناهيك عن المنصب القضائي الذي تبوّأه في السويداء سابقاً) سيّد هذا الإقليم البائس المتوحّش المجاور للّجاة. ينتمي الحلبي إلى فئةٍ من المفكّرين ممن لا يهمّهم إلّا منفعتهم الشخصيّة ولا يعترفون بسلطةٍ سوى سلطَتِهم. هذا الشيخ دمشقي فيما يتعلّق بتعليمِهِ وأسلوب حياتِهِ وطريقة تصرّفِهِ ولكنّه يبقى سليلَ الدروز وإقطاعيّاً إلى أقصى درجة. لبّى القرويّون نداء الحلبي وتركوا بيوتهم ورحّلوا عائلاتهم مع أسمالهم إلى اللجاة وانخرطوا في صفوف العصابات، في ردّةٍ منهم إلى مهنة السطو التي مارسوها وأسلافُهُم في الماضي.
لم يكن هؤلاء القروييّن الوحيدين الذين أصغوا لناصح السوء عزّ الدين الحلبي؛ هناك أيضاً بعض الشيوخ من آل عامر من الطامحين الذين تملّكهم الجشع فاعتقدوا أنّ الانضمام إلى سلطان أجزى من إطاعة سلطة زعيمهم طلال باشا والمحافظة على السلام. يتعيّن هنا الإقرار بضعفٍ نفوذ هذا الأخير.
No comments:
Post a Comment