تشكّلت الجمعيّة الخيريّة لإنشاء المدارس عام ١٨٧٨ بمبادرة من الوالي مدحت باشا وافتتحت أوّل مكتبة عموميّة في دمشق في المدرسة الظاهريّة عام ١٨٨٠ حيث جمعت الكتب والمخطوطات في خزانة كبيرة في التربة فوق ضريحيّ الظاهر بيبرس وابنه الملك السعيد. نقلت محتويات المكتبة بالنتيجة إلى مكتبة الأسد الوطنيّة عام ١٩٨٦ أمّا عن تاريخ الظاهريّة المبكّر ومحتوياتها فأفضل من كتب عنه العلّامة الراحل حبيب الزيّات (رابط التحميل أدناه للمهتمّين). الأسطر التالية مقتبسة عنه مع الاختزال والتصرّف. الصورة عن Weber الذي استعارها من مجموعة Wolf-Dieter Lemke وتعود لحوالي عام ١٩٠٠ (أي أنّها معاصرة لكتاب الزيّات الذي صدر عام ١٩٠٢).
حبيب الزيّات كما عرّف نفسه شامي فخور ومسيحي المعتقد يستعمل تعابير: "القطر السوري" و"وطني دمشق" و"الملكييّن الكاثوليك قومي الذين بهم أعتدّ وإليهم أنتمي".
ضاعت كثير من المخطوطات والوثائق التاريخيّة التي لا تقدّر بثمن في غياهب المجموعات الخاصّة والكوارث عبر الزمن وآخرها حريق الأموي في الرابع عشر من تشرين الأوّل عام ١٨٩٣ الذي نجت من عواقبه محفوظات قبّة الخزنة (لنا عودة إليها) ونقلت إلى المكتبة الجديدة.
فيما عدا ذلك جمعت في المكتبة الظاهريّة موجودات أتت من عشرة مصادر رئيسة أهمّها المدرسة العمريّة ومكتبة سليمان باشا العظم (المصادر الثمانية الباقيّة: مكتبات الملّا عثمان الكردي والخيّاطين والمراديّة والشميساطيّة والياغوشيّة والأوقاف وبيت الخطابة في الأموي). هناك مصادر إضافيّة لا تقلّ عدداً وإن كانت دون العشرة المذكورة في كمّ ونوع محتوياتها.
طبع فهرس لمحتويات المدرسة بعد سنة من افتتاحها ولكنّه لم يكن على المستوى المطلوب إذ كان التصنيف على عجل ودون الاهتمام بالتفاصيل (إغفال العنوان الكامل وسنة التأليف وتاريخ وفاة المؤلّف وعدد الصفحات واسم الناسخ وهلمّجرّا). قارن الزيّات بين هذا العمل وبين فهرس المكتبة الخديويّة المتقن في مصر.
بلغ عدد الكتب ٣٥٦٦ أمّا عن توزيعها فكان للعلوم الشرعيّة فيها حصّة الأسد. المواضيع هي الآتية: القرآن والقراءات والتفسير والحديث والمجاميع والفقه (بمدارسه الأربعة) والفرائض والتوحيد والتصوّف واللغة (نحو وصرف وبيان وما إلى ذلك) والسيرة النبويّة والمنطق والتاريخ والجغرافية والطبّ والكيمياء والحساب والجبر والهندسة والزراعة والحكمة والهيئة وتعبئة الجيش. تمثّل هذه القائمة المجلّدات المحفوظة ولا تشمل المصنّفات المستقلّة.
أشرف على المكتبة المفتّش الشيخ طاهر أفندي المغربي (ويعرف أيضاً باسم طاهر الجزائري: ١٨٥٢-١٩٢٠).
تردّد الزيّات على المكتبة لفترة عشر سنوات وأخذ على عاتقه مهمّة تبويبها وتصفّح في هذا السبيل كتبها واحداً واحداً ونقل أسمائها الكاملة (باستثناء الفقه والحديث) ووصف محتوياتها بما فيها غير المطبوعة (أي الأغلبيّة الساحقة من المحتويات: ما حقّق وطبع وقتها لم يتجاوز ستّة أسفار منها رسائل أبي العلاء المعرّي وديوان أبي العتاهية).
من البدهي أنّ أهميّة هذه المؤلّفات تاريخيّة بالدرجة الأولى ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار كتب التاريخ أهمّ موجودات المدرسة ومنها ابن عساكر (ثلاث نسخ منها ما هو ناقص) وكتاب "الكواكب السائرة لمناقب أعيان المائة العاشرة" وذيل "لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر" لنجم الدين الغزّي و"ذيل تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي و"عيون التواريخ" لابن شاكر الكتبي و"المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي وغيرها.
إذا استعرضنا سائر المؤلّفات نرى أسماء مشاهير مثل ابن تيميّة وجلال الدين السيوطي وأبو حيّان التوحيدي وابن عبد الهادي وعبد الغني النابلسي وكثير غيرهم ولفت انتباهي خصوصاً كتب الطبّ ومنها ما هو متعلّق باختصاصات معيّنة دون سواها وعلى سبيل المثال: "الإتقان في أدوية اللثّة والأسنان" و"الفنون في أدوية العيون" و"شاناق في السموم والترياق" وما إلى ذلك عن البول واليرقان والآذان وعضّة الكلب...
أختم بجزيل الشكر للأستاذ الياس بولاد الذي أرشدني إلى هذا المرجع القيّم عن دمشقنا الحبيبة.
المكتبة الظاهريّة
المدرسة الظاهريّة
من الملك العادل إلى السلطان الظاهر
المدرسة الظاهريّة الجوّانيّة. نبذة تاريخيّة
المدرسة الظاهريّة. تفاصيل من بوّابة المدخل
تربة الظاهر بيبرس
المدرسة الظاهريّة: قاعة الأضرحة
محراب المدرسة الظاهريّة
Stefan Weber. Damascus, Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009.