Saturday, January 14, 2023

الفلك وسكرة نوح؟

 


بالكاد نستطيع تمييز تفاصيل لوحة كنيس دورا أوروپوس الثالثة والعشرين (القسم الجنوبي من النسق الثالث في الجدار الشرقي وهذا النسق هو الوحيد المتبقّي على هذا الجدار) ومع الأسف لم أستطع الحصول على صورة لها بدقّة معقولة. تقع اللوحة كما نرى بين بابيّ الكنيس (الباب المركزي الرئيس وباب النساء في الجنوب) أمّا عن المشهد الذي تمثّله فقد وضع المؤلّف الفرنسي عليه إشارة استفهام محاولاً تفسيره بالاستعانة بالرسم التبسيطي الملحق كما يلي:


نشاهد انطلاقاً من يمين الناظر عدّة أشرطة عموديّة يبدو أنّها تمثّل بنيةً ما يليها إثنان من طيور الماء الطويلة السيقان يخفقان أجنحتهما أحدهما رابض والثاني واقف. على أقصى يسار الناظر نرى في الأعلى بنيةً كالسرير تحتها (في مقدّمة الصورة) ثلاث آنيةٍ تأخذ شكل جرّة وحوض وقرن كبير.



يمكن إذا افترضنا أنّ المشهد يمثّل مأدبة بيلشاصّر تبرير وجود السرير والآنية وأعمدة (؟) القصر. 


وَإِذْ كَانَ بَيْلْشَاصَّرُ يَذُوقُ الْخَمْرَ، أَمَرَ بِإِحْضَارِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ أَبُوهُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ (دانيال الإصحاح الخامس الآية الثانية). 


بيد أنّ هذا الحلّ لا يفسّر وجود الطائرين.


من المحتمل أيضاّ أنّ ما نراه على يمين الناظر يرمز إلى نهاية الطوفان عندما باشرت الطيور بمغادرة الفلك متّجهةً صوب المذبح الذي بناه نوح للربّ:


وَكُلُّ الْحَيَوَانَاتِ، كُلُّ الدَّبَّابَاتِ، وَكُلُّ الطُّيُورِ، كُلُّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، كَأَنْوَاعِهَا خَرَجَتْ مِنَ الْفُلْكِ.
وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ
 (تكوين الإصحاح الثامن الآيتان ١٩-٢٠). 


أمّا عن نوح السكران فهو مستلقٍ على سريره على يسار الناظر محاطاً بزقاق الخمر. لا يظهر أولاده فيما تبقّى من اللوحة وإن أمكننا افتراض وجودهم في المشهد الأصلي. ليست هذه الصور بالنادرة في منمنمات المخطوطات أضف إلى ذلك اكتشاف كنيس في جرش Gerasa في فلسطين (١) احتوى على فسيفساء أرضيّة تمثّل حيوانات تنزل من الفلك مع أولاد نوح ويمامة تتشبّث بغصين والكرمة التي زرعها نوح (Crowfoot-Hamilton). 


الخلاصة نحن هنا إزاء مشهد ذو مغزى أخلاقي مزدوج: قد ترمز نجاة الفلك إلى خلاص إسرائيل الموعود أوّلاً أضف إلى ذلك احترام أولاد نوح لأبيهم وبرّهم البنوي في حرصهم على ستر عورته عندما كان ثملاً:


وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا.
وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ.
فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا.
فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا
 
(تكوين الإصحاح التاسع الآيات ٢٠-٢٣). 



(١) للتذكرة الكتاب يعود لعهد الانتداب ومن المعروف أنّ الانتداب البريطاني على "فلسطين" كان أصلاً يشمل الضفّة الشرقيّة (الأردنّ الحالي) والغربيّة (إسرائيل اليوم) وأنّ البريطانييّن منعو هجرة اليهود إلى الضفة الشرقيّة التي أقاموا فيها إمارة هاشميّة أصبحت مملكةً لاحقاً.





Comte du Mesnil du Buisson. Les Peintures de la Synagogue de Doura-Europos, 245-246 après J.-C., Roma, Pontificio Istituto Biblico. Piazza della Pilotta, 35.  1939.


La sortie de l'arche et l'ivresse de Noé?

No comments:

Post a Comment