Monday, January 23, 2023

وأسفرت الثكلى عن ثديها

 


من المثير للانتباه أنّ du Mesnil du Buisson - خلال وصفه للّوحة السابعة والعشرين في كنيس دورا أوروپوس -  فسّر تعرية أرملة صرفة ثدييها علامة على الحزن والحداد. كان ذلك بالطبع قبل أن تدبّ الحياة في طفلها بمعجزةٍ إلهيّة توسّطها إيليّا.  


كشف المرأة صدرها تعبيراً عن مشاعر التوتّر والغضب والحزن والهياج عموماً لا يقتصر على الشرق الأدنى وسوريّا والقرن الثالث الميلادي. هناك على سبيل المثال شهادة هوميروس في الإلياذة في مشهدّ مؤثّر تضرّع فيه فريام ملك طروادة أوّلاً وزوجه هكوبا (ثانياً وخصوصاً) إلى ابنهما الأمير هكطور في محاولةٍ لكبح جماح البطل علّه يثوب إلى رشده ويمتنع عن مجابهة يائسة مع أخيل الجبّار - المصمّم على قتل هكطور انتقاماً لصديقه فطرقل Patroclus -. أدرج فيما يلي تعريبي - عن النصّ الإنجليزي التي أرفقت رابطه - للنصّ الذي ناشدت فيه الأمّ ابنها مستحلفةً بالثدي الذي أرضعه عسى أن يرعوي ويعدل عن المقامرة بحياته:


"تأوّه الرجل العجوز

وأمسك شعره الذي وخطه الشيب واقتلعه من جذوره

ولكنّه فشل في ثني هكطور عن عزمه. 

ناحت الأمّ واقفةً إلى جانب فريام (١)،

وسالت دموعها مدراراً، مرخيةً ثيابها في يدٍ

تمسك ثديها العاري باليد الثانية، 

تدفّقت الكلمات من فيها في طفرةٍ من الشجن والدموع:

"هكطور، يا ولدي! انظر - فليكن لديك بعض الاحترام لهذا (٢)! 

أشفق أيضاً على أمّك، إذ وهبتك ثديها رضيعاً لتخفّف عنك، تذكّره الآن يا ولدي الحبيب -

تصدّى لهذا الوحّش (٣) من حرز أمين داخل الأسوار!

لا تخرج بطلاً يجابه - 

 هذا الفظّ الذي لا يعرف الرحمة. إذا صرعك الآن،

أنّى لي أن أرثيك على فراش الموت؟ -

أيّها الغصن العزيز الزاهر، يا طفلي الغالي اللذي ولدت! -

لا أنا ولا زوجك المحبّة الكريمة ...

قد ترميك الأقدار إلى حيث لا نستطيع الوصول إليك، قد ينتهي بك الأمر إلى جوار سفن أرجي (٤)

حيث تسارع الكلاب إلى نهشك إرباً إرباً وازدراد لحمك!"   



لم يكتب لمسعى هكوبا النجاح إذ سرعان ما وجد هكطور نفسه وحيداً إزاء قاتله بعد أن تخلّى عنه زفس Zeus وآلهة الأوليمپ. صرع أخيل هكطور ومثّل بجسده وسحل جثّته حول أسوار المدينة بانتظار أن يأتي أبوه الملك فريام إلى معسكر اليونان محمّلاً بالهدايا ليرتمي على قدميّ أخيل متوسّلاً ويقبّل اليدين اللتين قتلتا ولده: عند ذلك فقط لان قلب الملك اليوناني الجلف وتنازل بردّ ما تبقّى من جثمان البطل الطروادي إلى ذويه ليحظى بمأتمٍ لائق ومراثٍ استحقّها عن جدارة.



(١) ملك طروادة Priam وأبو بطلها هكطور Hektor. 

(٢) ثدي هكوبا Hecuba (أمّ هكطور وقرينة فريام) العاري. 

(٣) أخيل Achilles ملك Phthia وابن فليوس Peleus (البشري) من الإلهة ثيطس Thetis. أخيل منيع باستثناء كعبه. 

(٤) أرجي أو Argos مدينة يونانيّة شاركت في الحرب ضدّ طروادة.



نصّ المناشدة بالإنجليزيّة


مصدر اللوحات

No comments:

Post a Comment