استعرضنا - بفضل الكونت du Mesnil du Buisson - المشاهد الستّة الأولى في اللوحة العشرين لكنيس دورا أوروپوس وموضوعها كما سبق القول حزقيال ورؤيا إحياء العظام. تأتي اليوم إلى خلفيّة هذه اللوحة.
تشكّل مناظر طبيعيّة خلفيّة هذه اللوحة الزاخرة بالأحداث. نرى على أقصى يسار الناظر (المشهد الأوّل) شجرةً تبدو وكأنّها معلّقة في الهواء تتشعّب أغصانها الكرويّة الهيئة وتحمل ثماراً باهتة اللون. هناك جبل أو مرتفع مربّع الشكل بين المشهدين الثالث والرابع في منتصفه صدع عظيم. قوام هذا الجبل صخور بنّية عارية ونلاحظ على قمّته شجرتين معزولتين تشبهان أشجار الزيتون في فلسطين إلى درجةٍ لا بأس بها. نلمح - إذا التفتنا إلى أقصى يمين الناظر - جبلاً مماثلاً أو مطابقاً للأوّل تتنضّد صخوره المستديرة فوق بعضها بعضاً وتتشابك كالحراشف المقلوبة على غرار نماذج غارقة في القدم من بلاد ما بين النهرين. تأخذ الأختام والنحوت القليلة البروز bas-reliefs السومريّة التي تصوّر الأقاليم الجبليّة تحت هيمنة الآلهة دائماً هذا المظهر. المرتفعات والهضاب في التقنيّة الآسيويّة الصرفة منتظمة وتقليديّة لا تحتوي على أي عناصر تتميّز بجمالها وليس هذا بمدعاةٍ للدهشة إذ أنّ معظم سكّان ما بين النهرين لم يروا جبلاً في حياتهم وبالتالي لا يستغرب أنّهم صوّروا تلال فلسطين بهذا الشكل الرتيب الذي تشبه تضاريسه بالأحرى ما نراه في جرف الفرات الصخريّة.
استمدّ الفنّان إلهامه في هذه اللوحة من سفر حزقيال (الإصحاح الخامس والثلاثين و الإصحاح السادس والثلاثين).
«يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ جَبَلِ سَعِيرَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ" (إصحاح ٣٥ آية 2).
وَقُلْ لَهُ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا جَبَلَ سَعِيرَ، وَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأَجْعَلُكَ خَرَابًا مُقْفِرًا.
أَجْعَلُ مُدُنَكَ خَرِبَةً، وَتَكُونُ أَنْتَ مُقْفِرًا، وَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ (الآيتان الثالثة والرابعة).
فَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، قَدْ سَمِعْتُ كُلَّ إِهَانَتِكَ الَّتِي تَكَلَّمْتَ بِهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: قَدْ خَرِبَتْ. قَدْ أُعْطِينَاهَا مَأْكَلًا (الآية الثانية عشرة).
وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَتَنَبَّأْ لِجِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ: يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ اسْمَعِي كَلِمَةَ الرَّبِّ (الإصحاح السادس والثلاثون الآية الأولى).
فَتَنَبَّأْ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لِلْجِبَالِ وَلِلْتِّلاَلِ وَلِلأَنْهَارِ وَلِلأَوْدِيَةِ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا فِي غَيْرَتِي وَفِي غَضَبِي تَكَلَّمْتُ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ حَمَلْتُمْ تَعْيِيرَ الأُمَمِ (الآية السادسة).
أَمَّا أَنْتُمْ يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّكُمْ تُنْبِتُونَ فُرُوعَكُمْ وَتُثْمِرُونَ ثَمَرَكُمْ لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَرِيبُ الإِتْيَانِ (الآية الثامنة).
وَأُكَثِّرُ النَّاسَ عَلَيْكُمْ، كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بِأَجْمَعِهِ، فَتُعْمَرُ الْمُدُنُ وَتُبْنَى الْخِرَبُ (الآية العاشرة).
وَلاَ أُسَمِّعُ فِيكِ مِنْ بَعْدُ تَعْيِيرَ الأُمَمِ، وَلاَ تَحْمِلِينَ تَعْيِيرَ الشُّعُوبِ بَعْدُ، وَلاَ تُعْثِرِينَ شُعُوبَكِ بَعْدُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ (الآية الخامسة عشرة).
من المنطقي والحال كذلك الربط بين نبؤة بعث العظام من جهة وبشرى بعث إسرائيل في فلسطين من جهة ثانية (الإصحاح السابع والثلاثون الآيات ١١-١٤) وهنا تجدر الإشارة أنّ النبي لا يكتفي بذكر "بيت إسرائيل" كمفهوم مجرّد بل ينكلّم أيضاً عن المدن الخربة التي بنيت من جديد.
يتبع
رؤيا إحياء العظام من المشهد الأوّل إلى المشهد الثالث
رؤيا إحياء العظام: المشهد الرابع
رؤيا إحياء العظام: المشهد الخامس
رؤيا إحياء العظام: المشهد السادس
No comments:
Post a Comment