Saturday, August 14, 2021

استقبال النساء في بيت محمّد علي العابد

 


لم تذكر الأديبة الفرنسيّة Myriam Harry اسم محمّد علي العابد على الإطلاق في الصفحات الثمانية التي خصّصتها لزيارة بيته والتعرّف عليه وعلى عائلته ولكن موقع البيت في سوق ساروجة أو ما أسمته حيّ الورد quartier des Roses والمعلومات التي أوردتها عن أوّل رئيس سوري وعن ابنتيه لا تدع مجالاً للشكّ في هويّة المقصود.


شغل محمّد علي العابد (ابن عزّت باشا العابد) منصب سفير إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة عام  ١٩٠٨ وتزوّج زهرة أو زهراء خانم أخت عبد الرحمن باشا اليوسف وأنجب منها فتاتين ليلى وشريفة. أصبح العابد رئيساً لسوريّا في عهد الانتداب بداية من حزيران ١٩٣٢ وحتّى كانون أوّل ١٩٣٦.


يمكن الرجوع لكتاب السيّدة سهام ترجمان "يا مال الشام" لمن يرغب في مزيد من المعلومات عن استقبال النساء التقليدي في دمشق. أترك في الأسطر التالية الكلمة للكاتبة الفرنسيّة التي قادها "خصيّ عجوز" من مدخل البيت عبر الصحن إلى القاعة التي جرت فيها المناسبة. 


"أجلستني الآنسة ليلى (كريمة الرئيس) بين الوسائد إلى جانب السيّدة الرئيسة (زهراء اليوسف قرينة العابد). اليوم يوم استقبال هذه الأخيرة.


- كيف وجدت في نفسك الشجاعة الكافية لحضور هذه المناسبة العربيّة؟ قالت زوج العابد بالفرنسيّة.


- سترين كم هذا ممتع -همست ليلى التي تسلّلت خلفي - النساء يدخلن ويخرجن ولا ينبسن ببنت شفة وهذا على امتداد ثمانية ساعات منذ الصباح حتّى السابعة مساءً علاوة على ساعة للغذاء! دوام عمل كامل!


دخلت زائرتان منقّبتان متشابهتان في كلّ تفاصيل المظهر. كشفت السيّدتان المنديل عن وجهيهما حتّى أهداب العيون وبادرتا المضيفة وابنتها وبقيّة الحضور بالتحيّة قبل أن تجلسا على الكراسي القاسية.


جلب أحد الخدم صينيّة عليها كوبان من الليموناضة. تناولت كلّ من الزائرتين الكأس وشربته حتّى الثمالة دفعة واحدةً أتبعتاها بكلمة "دايمة". غادرت امرأتان بعد قليل عندما نهضت جميع الحاضرات - كما لو استجبن لكبسة زرّ - في وداعهما دون تبادل كلمة أو حتّى مصافحة..

دخلت بعد ذلك ثلاث من السيّدات (لا تخرج المسلمة من بيتها وحيدة أبداً) وتلى ذلك نفس تبادل التحيّات الميكانيكيّة وشرب الليموناضة بمنتهى السرعة وتوزيع السجائر والسكاكر....


 - ترين بعينيك كم هذا مسلّ - همست ليلى مجدّداً.


تساءلت أين تعلّمت ليلى الكلام بالفرنسيّة بهذه الدرجة من الطلاقة فأجابت أنّها من مواليد Nice وأنّها قضت جزءاً من طفولتها في أمريكا واحتفظت دائماً بمعلّمة باريسيّة منذ عودتها إلى دمشق.


- يبدوا أنّك تضجرين في سوريّا؟


- إلى أبعد الحدود! إنّه السجن بعينه أؤكّد لك!


- وهاته النساء؟ ما رأيهنّ بالحياة التي يعشنها؟


- هل تريدين أن أسألهنّ؟ انتظري!


- حياتنا؟ - أجابت امرأة ضامرة الوجه تتجلّى في وجهها النباهة - أحسن بقليل من الموت!


- "أحسن بقليل من الموت" هل سمعت؟ قالت ليلى وقد بدت على وجهها علامات الانتصار. 


- مع ذلك - ردّت Harry - سمعت أنّ المسلمات كنّ سعيدات في الماضي وأذكر قبل عشر سنوات أنّه ندر من أرادت منهنّ استبدال حياتها بحياة النساء الأوروبيّات. 


- في الماضي نعم - أجابت امرأة ممتلئة الجسم -. كنّا سعيدات في الماضي لأنّنا اعتقدنا أنّنا سعيدات ولم يكن لدينا ما نقارن معه ولم نعرف شيئاً خارج الحياة الإسلاميّة. لم يذهب أطفالنا وقتها إلى مدارس حديثة ولم يجلبوا معهم إلى البيت مجلّات مصوّرة ولم نعرف الفونوغراف ولا دور العرض ولا السياسة. كانت روحنا في سلام ولكن من الذي تعرف روحه الراحة هذه الأيّام؟زوج هذه المرأة نائب وابن تلك يروم الرحيل إلى أوروبّا وثالثة تريد ابنتها أن تقصّ شعرها!


انفجرت النساء بالضحك. - هذا والله حقّ! 


- لم تعطنا أم علي رأيها -تابعت السيّدة البدينة -. إنّها الزوج الثالثة لرجل أنجب منها ومن ضرّتيها أربع عشرة طقلاً خلال عشرين عاماً.


نظرت سيّدة نحيلة ذات عينين متوقّدتين كعينيّ الفأر باتّجاهي بمكر وأجابت:


- هل نحن سعيدات؟ نعم نحن سعيدات كملائكة الجنّة.


للحديث بقيّة.  


الصورة من بيت العابد عن Keenan & Beddow. 





ميريام هاري في دمشق: الزيارة الثانية


مولد النبي تحت الانتداب الفرنسي







Myriam Harry. Damas, jardin de l'Islam. J. Ferenczi & Fils 1948. 


Myriam Harry


Brigid Keenan & Tim Beddow. Damascus: Hidden Treasures of the Old City. Thames & Hudson 2000 (photo). 


Dix ans après


Noël islamique sous le Mandat Français


Visite au harem présidentiel


No comments:

Post a Comment