رافق ساطع بك الحصري مبعوثة غورو الفرنسيّة السيّدة Myriam Harry في جولة على عدد من مدارس دمشق الابتدائيّة كما رأينا وها هو الآن يصطحبها إلى مكتب عنبر الشهير أو المدرسة السلطانيّة التي أسّسها السلطان عبد الحميد الثاني. أقتبس في الأسطر التالية بعض ما كتبته المؤلّفة عن هذه الزيارة.
"مهمّتنا هنا مزدوجة - قال مدير المدرسة - إذ يتعيّن علينا قبل كل شيء تعريب المناهج عن التركيّة ومن ثمّ إيقاظ الضمير الوطني..... أنتم تعتقدون أنّ لغتنا - إن لم تكن بربريّةُ -فهي في طور النزع بيد أنّها في الواقع لا تزال حيّة بما يشبه المعجزة. ليس ذلك فحسب بل أنّها أيضاً تملك من الغنى والمرونة ما فيه الكفاية للتكيّف مع الفكر الحديث بكافّة أشكاله ومع جميع التطوّرات العلميّة.
آه! - ناجت السيّدة Harry نفسها - هذه الثقافة الحديثة! هذا التقدّم الوهمي الذي ننعم به والذي يحتلّ مكانة الصدارة في الأحاديث!
- أليس هذا الصفّ مكافئاً للصفوف في أوروبا؟ - قال الأساتذة بفخر مثير للمشاعر وإن شابه القلق (من أن لا تحظى مدرستهم برضى المؤلّفة).
أصرّ المسؤولون على أن أتفقّد المؤسّسة كلّها من صالة الرياضة حيث يتمّ تدريب الطلبة على الخدمة العسكريّة إلى قاعة الرسم حيث تدرّس الطبوغرافيا والخرائط إلى مخابر الكيمياء وصولاً إلى المهاجع. رفعت الستائر أمامي وأعطيت الكثير من التفاصيل عن سمك الفرشات وترتيب الخزائن وكلّ ما يخطر على البال باستثناء ما تأمّلته عبر النوافذ: صحن تتخلّله أشجار البرتقال التي تنوء تحت ثقل ثمارها وكأنّها مشاعل موقدةُ يتصاعد عبقها اللذيذ الباعث للنشوة إلى حيث أقف.
- أليست هذه المدرسة الداخليّة معادلة لمدرسة داخليّة فرنسيّة؟ قال أحد الأساتذة.
- آهّ أفضل! أفضل بكثير! أجبت وأنا أحسد في سرّي الطلّاب الذين ينامون بين أشجار البرتقال.
نزلنا بعدها إلى المطعم والمطابخ. آه! كم أتلذّذ برائحة الطهي العربيّ الأصيل هذه مع الزعفران والسمن! غمست إصبعي في إحدى القدور: كم هذا لذيذ!
انفجر الجميع بالضحك كالمجانين بما فيهم الطهاة.
- سترين أنّنا لا نجلس على الأرض ولا نأكل بأصابعنا.
- آسفة ولكننّي أجد سحراً في هذه الممارسات.
- ضحك الحضور مجدّداً وإن كانت ضحكتهم هذه المرّة مصطنعة إذ اعتقد البعض أنّني أهزأ بهم. قال أحد الأساتذة في مرارة:
- أوّاه! لا يعجب الفرنسيّون من بلادنا إلّا بجهلنا وأسمالنا وأنقاضنا! متى ستحسبوننا بين الشعوب المتمدّنة؟
سارع المدير في محاولة منه لإزالة أي سوء تفاهم - وبعد استشارة زملائه - إلى القول:
- حسناً. إذا تفضّلت بالبقاء معنا فسنتناول الطعام متربّعبن حول الطبق ومتصالبيّ السيقان.
أدركت على التوّ الشهامة في تنازل من هذا النوع وأثّر هذا في نفسي إلى أبعد الحدود ولكنّي اعتذرت بأنّ وقتي لا يسمح لي بالقبول.
غادرنا الوزير (أي ساطع الحصري) على عتبة المكتب. قال لي سكرتيره في طريق العودة:
- لربّما لاحطت أنّ لباس المدرّسين متواضع وآمل ألّا يكون هذا قد صدمك. طلب منّي الوزير أن أستميحك عذراً على هندامهم وأنوّه في هذا الصدد أنّهم تنازلوا عن ستّة أشهر من مرتّباتهم لصالح الصندوق الوطني."
عبد الرحمن الشهنبدر والتكيّة السليمانيّة ومستقبل المملكة السوريّة
على مائدة عبد الرحمن باشا اليوسف
بؤس بنات عبد الرحمن باشا اليوسف ونسويّة الأمير فيصل
Myriam Harry. Damas, jardin de l'Islam. J. Ferenczi & Fils 1948.
Stefan Weber. Damascus: Ottoman Modernity and Urban Transformation (1808-1918). Proceedings of the Danish Institute in Damascus 2009 (photo).
ʿAbd-ar-Raḥmān aš-Šahbandar, al-Tekīyya al-Sulaymānīyyā et l'avenir de la Syrie chérifienne
Suq al-Ḥamīdīyyā: Histoire Officieuse
La Mosquée des Umayyādes ne parvient pas à impressionner Madame Harry
Où est passé al-Muṣḥaf al-ʿUthmānī?!
Chez ʿAbd ar-Raḥmān Pāšā al-Yūsuf
No comments:
Post a Comment