عبرت الكاتبة الفرنسيّة Myriam Harry جسراً على نهر بردى في صباح أحد أيّام العهد الفيصلي متّجهة من فندقها (على الأغلب فيكتوريا الكبير) إلى التكيّة السليمانيّة التي طالما حلمت بزيارتها.
كان الطريق وعراً بين الوحل والماء الراكد وآكام القاذورات وحتّى جثث الكلاب المتفسّخة بيد أنّها استطاعت بالنتيجة عبور المسافة البسيطة التي فصلتها عن غايتها المنشودة وكوفئ صبرها ومواظبتها عندما وقفت أمام البناء الجميل تتأمّل قبابه وأروقته ومسجده بمئذنتيه الطويلتين الرشيقتين.
كان المكان مهجوراً باستثناء حاجّ شركسيّ عجوز اقتبست من الحديث بينه وبين الكاتبة الأسطر الآتية:
- والله أنا حارس للتكيّة السليمانيّة وكأنّي بهذه الصفة أحرس الخواء والهواء. لا يأتي إنسان هنا في أيّامنا. انقطع الحجّ منذ الحرب وأحجم الدراويش عن السفر ونسي أهل دمشق الصلاة لينصرف اهتمامهم إلى السياسة وهكذا أغلق المسجد وتوقّف المؤذّن عن الصعود إلى المئذنة..... أليس هذا حراماً؟ رمّم جمال باشا التكيّة بمنتهى العناية.
- جمال باشا؟ تساءلت السيّدة Harry.
- نعم. أنفق جمال باشا أكثر من مليون ليرة عثمانيّة (*). كلّ ما ترينه حولك كان آيلاً للتداعي تماماً كما هو حال الأرض المحيطة بالتكيّة. قبل الحرب كانت المياه فائضةً والجدران متهدّمةً ولم يكن في البناء إلّا حفنة من الدراويش. دامت أعمال الترميم ثلاثة سنوات أعيدت خلالها الحجارة المتساقطة إلى مكانها الأصلي ورفعت القباب المنهارة. استدعى جمال باشا مهندسيّ العمارة من اسطمبول وحرفيّة القاشاني من كوتاهية ومعلّمي الزجاج من بورصة! أراد أيضاً أن ينظّف محيط التكيّة الذي كان في الماضي مرجاً للنعناع ولكن الإنجليز أتوا قبل أوانهم واضطرّ جمال باشا إلى الفرار مع عسكره وحرفييّه ولم يبق لي من مخلّفات الحرب إلّا هذا المعطف الذي أرتديه!
- ما شاء الله! - أجابت الأديبة وهي تتأوّه من الإعجاب - ما هذا البهاء!
- نعم والله! كلّ هذا من البهاء بمكان ويا ليتك رأيت هذه التكيّة كما رأيتها أنا للمرّة الأولى عندما حججت إلى مكّة في زمن ولّى. كانت الأحجار تتهاوى من الجدران والمطر يدلف إلى الردهات ولكن ماذا عن ذلك؟ هل أنقص هذا شيئاً من رونق الحدائق وعطر الورود؟ آه.. لو رأيت جمال الجنائن واستنشقت عبق الرياحين آنذاك لفقدت الصواب. عطر الجنّة! كانت جنّة الإسلام هنا وحقّ الإله!
(*) إذا كان المقصود ليرة ذهبيّة فالمبلغ خيالي لا يمتّ للواقع بصلة (يمكن أن نحذف منه صفرين على الأقلّ) ولكن من الصحيح أنّ جمال باشا أنفق أموالاً طائلةً على ترميم التكيّة وشقّ شارع النصر وغيرها من المشاريع الكبرى في دمشق بين ١٩١٤-١٩١٨ وهذا مؤشّر على أنّه وكثير من العثمانييّن آنذاك كانوا أبعد ما يكونون عن تصوّر خسارة الحرب ونهاية الإمبراطوريّة.
عبد الرحمن الشهنبدر والتكيّة السليمانيّة ومستقبل المملكة السوريّة
على مائدة عبد الرحمن باشا اليوسف
بؤس بنات عبد الرحمن باشا اليوسف ونسويّة الأمير فيصل
لطيفة خانم عن دمشق ومدارس بنات العهد الفيصلي
Myriam Harry. Damas, jardin de l'Islam. J. Ferenczi & Fils 1948.
ʿAbd-ar-Raḥmān aš-Šahbandar, al-Tekīyya al-Sulaymānīyyā et l'avenir de la Syrie chérifienne
Suq al-Ḥamīdīyyā: Histoire Officieuse
La Mosquée des Umayyādes ne parvient pas à impressionner Madame Harry
Où est passé al-Muṣḥaf al-ʿUthmānī?!
Chez ʿAbd ar-Raḥmān Pāšā al-Yūsuf
Jamāl Pāšā restaure al-Tekīyyā al-Sulaymānīyya
No comments:
Post a Comment