Sunday, November 27, 2022

أورفيوس أم داود؟

 


لا زلنا في معرض الحديث عن اللوحة العاشرة في كنيس دورا أوروپوس وهي للتذكرة في النسق الثاني لجدار الكنيس الغربي فوق محراب التوراة.  


يبدو أورفيوس في هذا المشهد (الزاوية العلويّة على يسار الناظر) جالساً ومكتسياً برداء فارسي ومعتمراً قلنسوة فريجيّة الطراز وملتفتاً بشكل طفيف إلى يساره. يمسك أورفيوس قيثارته بيده اليسرى ويداعب أوتارها بيمناه. 


تغطّي الكرمة الي سبق الحديث عنها قسماً كبيراً من جسم أورفيوس وبعضاً من قيثارته بينما تختبئ الحيوانات أمامه إلى درجة تجعل التعرّف على بعضها صعباً. بالمقابل اللبؤة المطليّة باللونين الذهبي والأبيض مرئيّة بسهولة إذ تدبّ على مستوى الأرض. هناك ما يشير إلى وجود حيوان صغير جالس يميل لونه إلى البنفسجي أمام اللبؤة. يرى البعض أنّ هذا الحيوان قرد والبعض الآخر أنّه ضبع بينما يذهب آخرون لكونه كلباً بيد أنّ الكرمة كثيفة في هذا المكان وبالتالي لا يمكن تحديد هويّته بدقّة أكبر على عكس الطيور الملوّنة بالأحمر في الخلفيّة تحت الأوراق. 


اعتبر البعض تمثيل أورفيوس في الكنيس دليلاً صارخاً على روح الفنّانين المتحرّرة وفي رأينا أنّ التكهّن بطريقة تفكير الفنّان أو الحاخامات الذين أشرفوا على العمل ليس بالأمر اليسير. من المشروع أن يتساءل المرء ما إذا تأثّر حاخامات دورا بالديانة الأورفيّة - التي انتشر تأثيرها في ذلك العصر حتّى في الأوساط اليهوديّة - إلى درجة دفعتهم إلى إدراج أورفيوس ضمن أبطال المعتقد اليهودي. 


هناك تفسير آخر. ألا يمكن أن يكون الشخص المختبئ خلف ملامح أرفيوس في اللوحة داود يعزف على القيثارة؟ 


يظهر داود في المزامير (الزبور في الإسلام) اليونانيّة الغارقة في القدم بمظهر راعٍ يرتدي ثياباً يونانيّةً  يعزف قيثارته المتعدّدة الأوتار بين مواشيه من الخراف والماعز وإلى جانبه كلبه. يمكن التقريب بين هذا المشهد وبين مشهد أورفيوس بين الوحوش


مع ذلك لا يمكن تبرير هذا المزيج من الصور (لا يغنّي أورفيوس للحيوانات ولكنّه بالأحرى يفتنها ويسحرها) إلّا إذ سلّم الفنّان بوجود ما يربط داود مع أورفيوس. كيف ولماذا؟ 


نعتقد أنّ الموضوع يتعلّق بإشارةٍ إلى الأسلوب الذي فتن به داود الكون بأناشيده وموسيقاه. نستخلص - إذا فهمنا لوحة دورا من هذا المنطلق - أنّها ترمز إلى المزامير التي تقرأ وترتّل في الكنيس ومن هنا يأخذ المشهد معنىً شعائريّاً ومرتبطاً مع المشاهد تحته وسائر مشاهد النسق.







اللوحة العاشرة: أورفيوس وبركات يعقوب




Comte du Mesnil du Buisson. Les Peintures de la Synagogue de Doura-Europos, 245-246 après J.-C., Roma, Pontificio Istituto Biblico. Piazza della Pilotta, 35.  1939.




No comments:

Post a Comment