Tuesday, November 29, 2022

اللوحة الحادية عشرة: إبراهيم

 


تقع هذه اللوحة في الجدار الغربي لكنيس دورا أوروپوس على النسق الثاني إلى جانب اللوحة المركزيّة (الثانية أو العاشرة كما رأينا).


يمثّل المشهد رجلاً كهلاً واقفاً يلتفت قليلاً إلى اليسار ويرتدي زيّاً يونانيّاً مع معطف وصندل. لون الثوب أبيض تزيّنه شرائط زرقاء غامقة إلى درجة أنّها تميل إلى السواد. يلتفّ المعطف على الكتفين ويغطّي الذراعين. اليدان متصالبتان أمام الخصر تخفيهما ثنايا الأكمام. يشير وضع اليدين وتغطيتهما بهذا الشكل إلى الاحترام خصوصاً إزاء الإله أو ممثّليه. نلاحظ أيضاً جدائل النسيج المتدليّة من أهداب المعطف. 


يؤطّر الوجه شعر القحف الأبيض واللحية الكثيفة البيضاء التي تنفرد بها هذه اللوحة عن سائر مشاهد الكنيس. أراد الفنّان التوكيد على هذه النقطة فأضاف لوحاً مستطيلاً أسود اللون وراء الرأس بمثابة الهالة. 


تظهر القبّة السمويّة في أعلى المشهد نعاين عليها عدّة أجرام:

- القمر على يمين الناظر ويحيط به سبع نجومٍ بيضاء علّها ترمز إلى الكواكب. 

- الشمس على اليمين وهي مؤلّفة من دائرتين بنّيتين نحيط إحداهما بالثانية وينبعث منهما ستّة عشر شعاعاً أبيض اللون أشبه ما يكون بالسلّم. 


في رأينا أنّ الشخص المصوّر هنا هو إبراهيم ومن المحتمل أنّ النجوم فوق رأسه تشير إلى مقطع شهير في سفر التكوين (الآية الخامسة في الإصحاح الخامس عشر):


ثمّ أخرجه إلى خارج وقال انظر إلى السماء وعدّ النجوم إن استطعت أن تعدّها. وقال له هكذا يكون نسلك. 


لا تتّفق الأهداب وجدائل المعطف مع إبراهيم من الناحية الزمنيّة فهي اصطنعت في ثياب بني إسرائيل كما نعلم كما أمر الربّ موسى (عدد الإصحاح الخامس عشر الآيات ٣٧-٣٨). نعتقد مع ذلك أنّ الفنّان توخّى إدخالها هنا وتعمّده للتأكيد على هويّة إبراهيم العبرانيّة (تكوين الإصحاح الرابع عشر الآية ١٣) والربط بينه وبين اليهود في العصور اللاحقة. من المثير للفضول هنا أنّ المسلمين أيضاً حرصوا على الانتساب إلى إبراهيم (قرآن سورة آل عمران الآيتان ٦٧-٦٨):  


ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين.

إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النبيّ والّذين آمنوا والله وليّ المؤمنين. 


أخيراً يمكن الربط بين إجلال إبراهيم لله لدى اليهود واستسلامه لإرادته لدى المسلمين أضف إلى ذلك الدور الشديد الأهميّة الذي لعبه دينيّاً ليس فقط من خلال العهد بين الربّ وبينه وإنّما أيضاً عن طريق استحداث وتنظيم العديد من الطقوس ومنها القرابين والختان وهلمّجرّا (تكوين الإصحاح السابع عشر الآيات ١٠-١٤).





Comte du Mesnil du Buisson. Les Peintures de la Synagogue de Doura-Europos, 245-246 après J.-C., Roma, Pontificio Istituto Biblico. Piazza della Pilotta, 35.  1939.

No comments:

Post a Comment