بالتدقيق في الزاوية العليا على يمين الناظر في مشهد ابراهيم على وشكك التضحية بابنه (إسحق أو اسمعيل)، نشاهد منزلاً صغيراً بشكل كومةٍ مستديرة أشبه ما تكون بخليّة نمل. نموذج البيوت هذا معروف في سوريّا الشماليّة خصوصاً في إقليم حلب وحماة وحتّى تخوم حمص وهناك دلائل على وجود هذه "القباب" التي تتنضّد مستوياتها فوق بعضها بعضاً من الأسفل إلى الأعلى منذ أقدم العصور. تبنى هذه المنازل إلى اليوم من اللبن وتكسى بالصلصال. للبيت باب وحيد غالباً ما يكون مستديراً. من هذه الخلايا ما يستعمل مطبخاً وفي هذه الحالة نرى في قمّة البيت - الخليّة فتحة" كبيرةً مستديرة للمدخنة. يتبع البيت في اللوحة قيد الحديث هذا النمط ونرى في فرجة الباب شخصاً صغيراً مكتسياً برداءٍ يونانيّ الطراز يتراوح لونه من الوردي إلى البنفسجي الباهت شأنه في ذلك شأن بقيّة الأشخاص في اللوحة.
إبراهيم هو باني "البيت الحرام" أي الكعبة كما يخبرنا القرآن وبإمكاننا أن نفترض وجود أسطورة سابقة للإسلام لدى اليهود تتعلّق بهذا البيت الذي شيّده إبراهيم وهذا البيت بالطبع ليس في مكّة. لا ريب أنّ بيت إبراهيم عكس صورة الهيكل (اللاحق) لدى اليهود ومنه ظهوره في هذه اللوحة قيد الدراسة.
إذا سلّمنا بأنّ فنّان دورا سار على خطى هذه الروايات المتداولة فمن الممكن أن يكون البيت في الصورة دار إبراهيم ومن الممكن أيضاً أن يمثّل حرماً ليهوه وأنّ الشخص الصغير الذي نراه هو إبراهيم ذاته واقفاً على عتبة هذا الحرم.
أعطي مشهد تضحبة إبراهيم مكاناً مميّزاً فوق المحراب يبرّره تكريس هذا المشهد للعهد الأوّل بين الله والإنسان ووعد الله لإبراهيم: "وقال بذاتي أقسمت يقول الربّ، أنّي من أجل أنّك فعلت ها الأمر، ولم تمسك ابنك وحيدك، أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطىء البحر ويرث نسلك باب أعدائه" (تكوين الإصحاح الثاني والعشرون الآيتان ١٦ و ١٧).هناك قرائن إضافيّة تتمثّل بوجود رسم الهيكل والشمعدان الشعائري (مينوراه) إلى جانب مشهد تضحية إبراهيم فوق محراب دورا.
أخيراً هناك السير القديمة المتوراثة التي تجعل الصخرة المكان الذي دارت في رحابه أحداث التضحية. تمركز الهيكل لاحقاً حول هذه الصخرة ومن هنا رسم واجهة الهيكل إلى جانب إبراهيم لتخليد أحد المشاهد التي بني عليها مجد معبد القدس.
No comments:
Post a Comment