Sunday, June 19, 2022

عبّاسيّون وفاطميّون

 



مع العبّاسييّن دخلت دمشق في عهد انحطاط أصبح فيه ذكر الأموييّن محرّماً وهدمت قصورهم ونبشت قبور خلفائهم ونثر رفاتهم في مهبّ الريح. صحيح أنّ معول الهدم وفّرت جامع الوليد الذي تمتّع بمهابةٍ خاصّة ومع ذلك أزيلت النقوش التي تحمل اسم واقفه بالمطرقة وانتزعت بعض آياته الفنيّة وأرسلت إلى العراق. أخيراً هدم سور المدينة بهدف حرمان الأهالي الملاذ إذا خامرتهم الرغبة في شقّ عصا الطاعة. أصبحت دمشق  المخذولة المهانة مدينةً مغمورةً من الدرجة الثانية وتفاقم تفكّك تنظيمها العمراني الروماني القديم.      


استمرّ تدهور المدينة في العهد الفاطمي خصوصاً بسبب الحرائق (١) التي شبّت خلال الفتن. التجمّع السكّاني برمّته مبني من مواد سريعة الاشتعال وليس ثمّة أهون من أن تسبّب أدنى شرارة في أصغر بقعة كارثةً محقّقة على أوسع نطاق. جرت العادة أن يعيد الأهالي البناء - بعد إخماد النار - فوق الأنقاض الدارسة دون أي تنسيق أو الحدّ الأدنى من مراعاة الخير العامّ. 


كان لا بدّ للفاطمييّن أن يأخذوا بعين الاعتبار احتمال عودة العبّاسييّن وبناءً عليه قاموا برفع السور مجدّداً بدايةً باستعمال ألواح الطين ونهاية بالحجر النحيت بيد أنّ مسار الجدار تغير عمّا كان عليه في العهد الروماني باستثناء بعض المواقع (لم يمنع ذلك استعمال أحجار السور الروماني في خليفته الفاطمي). رمّمت أربع - أو خمس على الأكثر - من الأبواب الرومانيّة ليعاد استعمالها خصوصاً البابان على نهايتيّ الشارع المستقيم (محور المدينة القديمة) الشرقيّة والغربيّة مع فارق أنّ كلا البابين (الشرقي والجابية) اقتصر الآن على إحدى الفتحات الجانبيّة ليصبح أكثر ضيقاً بغية تسهيل الدفاع عنه. 


نشأت أرباض جديدة بمحاذاة المدينة: إلى الشمال العقيبة (أي المنحدر الصغير نظراً لوقوعها على الميلان الذي يحدّ وادي النهر من جهة الشمال) وإلى الجنوب الشاغور وإلى الجنوب الغربي على مسافة قصيرة من التجمّع الرئيس قصر الحجّاج نسبة لدار أحد أمراء أميّة في هذا المكان (٢). نمت هذه الضواحي بشكل عفويّ دون أي خطّة تنظيميّة مسبقة واصطفّت البيوت فيها على خطوط ضيّقة تؤدّي دروبها إلى أبواب المدينة المسوّرة.  


لم تكن هذه الأرباض أكثر من مساكن لزارعيّ الخضار ومرحلة انتقاليّة بين المدينة والريف ولا يجوز بأيّ حال اعتبارها مؤشّراً على حيويّة دمشق الي حكمت عليها قسوة الدهر وإهمال الحكّام أن تعيش هامدةً كيفما اتّفق بانتظار أيّامٍ أفضل.



الصورة لأحد أزقّة دمشق في مطلع ثلاثينات القرن العشرين.        





(١) أتى حريق عام ٤٦١ للهجرة (١٠٦٩ للميلاد) على الجامع الأموي أو كاد.  يعتبر هذا الحريق - مع حريق ١٨٩٣ - أسوأ الكوارث التي حلّت بالجامع وعلى الأغلب تجاوزت أضرارهما ما حصل إبّان كارثة تيمورلنك مطلع ١٤٠١.   

(٢) الحجّاج بن عبد الملك.








فؤاد إفرام البستاني. دمشق الشام. المطبعة الكاثوليكيّة








Jean Sauvaget. Esquisse d'une histoire de la ville de Damas. Revue des Études islamiques, 1934, p. 422-480.

No comments:

Post a Comment