Wednesday, June 1, 2022

جسر على بردى

 


ختم المستشرق الألماني Kiesling كتاب "دمشق" إصدار ١٩١٩ بالصورة الملحقة "جسر على بردى شرق المدينة" والعبارات الآتية: 


المشاهد الطبيعيّة شرق المدينة أجمل ممّا نصادفه غربها. مروراً بالشارع المستقيم وخروجاً من الباب الشرقي نصل إلى بردى الذي يتدفّق وفروعه ليشكّل واحةً غنّاء من الأشجار. 


يصبّ النهر في شلّال هادر قرب باب توما حيث نشاهد جسراً مستنداً على جذوع أعمدة قديمة ونصل إلى بداية بريّة خضراء تهيمن عليها الظلال الداكنة لعدد من أشجار السرو بينما تحضن مرتفعات قاسيون الرماديّة المدينة إلى أن تلتقي مع الدور الطينيّة في أرباضها. 


تتميّز الأراضي شرق المدينة عن تلك إلى الغرب منها بغياب الجدران الطينيّة التي ترسم الحدود بين القطعة والقطعة إذ تحلّ محلّها العديد من الدروب اللطيفة المظلّلة بالأشجار من مختلف الأنواع. هناك أشجار الجوز الرائعة المتينة والحور الشامخ والزيتون بجذعه المعقّد. النباتات هنا من الكثافة إلى درجة تشبه الغابات ويمكن للمرء أن يسير خلالها ساعاتٍ على ظهر دابّته دون أن يشعر بالملل ولو للحظة واحدة. تتكافل الجداول الصغيرة والحدائق التي يخيّم عليه السكون وحقول الحبوب ومزارع الحور والقرى المبعثرة بين الخضار وقوافل الجمال المحمّلة بالخشب والحمير الرازحة تحت أحمالها وقطعان الماعز ومواكب البدو ونساء وأطفال العرب من الجالسين إلى جانب الطريق أو العاملين في الحقول وزقزقة العصافير لترسم صورة أرض يسودها السلام والوئام ليس لإنسان أن يتوقّع مصادفتها قرب مدينة تعجّ بالحياة والضوضاء. 


لا يوجد مكان يثمّن فيه المرء النبات والطبيعة المزدهرة والماء النمير كهذا الإقليم المجدب القاحل باستثناء واحاته ليس إلّا. 


تتلاشى الأشجار بالتدريج ومعها سائر النباتات على بعد عشرين كيلومتراً شرق المدينة وترخي البادية كلكلها على مسافات شاسعة يقطنها البدو وتهيم فيها الغزلان وبنات آوى والضباع. هذه السهوب هي المسرح الأزلي للصراع بين الحضر من زارعيّ الأرض من جهة وأحرار البدو ومواشيهم من جهة ثانية. تلوح في الأفق الأشكال المخروطيّة للبراكين الخامدة وتمتدّ ورائها صحراء الشام إلى ما لا نهاية.








No comments:

Post a Comment