الأسطر التالية عن Jean Sauvaget ومقاله "الخطوط العريضة لتاريخ مدينة دمشق":
تغيّرت الظروف التاريخيّة بعد أن دالت دولة بني أميّة وتسارع معها تطوّر المدينة.
أدّت ثلاثة قرون من الفوضى إلى بروز عدم الاستقرار بكافّة أشكاله كأهمّ عامل في تطوّر المدينة: ليس بيت القصيد هنا أزمة سبّبتها الحرب بل بالأحرى غياب دائم ومزمن للأمن يعود بالدرجة الأولى إلى آليّة الدولة عينها والطريقة التي حكمت بموجبها.
لم يكن للناس العادييّن من ملاذ يلجأون إليه باستثناء الحماية الوهميّة للتشريع القرآني ولا من غوث قانوني تجاه المظالم اللهمّ إلّا مناشدة لا يعوّل على تلبيتها لخليفةٍ يحيا بمنأى عنهم على الدوام ممّا يجعل الوصول إليه متعذّراً من الناحية العمليّة. باختصار ناء الأهالي تحت الجور والتعسّف والأحكام الاعتباطيّة ولم يبق لهم - كردّ فعل - من دفاعٍ عن أنفسهم سوى تكاتفهم وتجّمعهم في فئات دينيّة أو إثنيّة أو (خصوصاً) مهنيّة وهكذا استطاعوا إذا اقتضى الأمر حماية أنفسهم وممتلكاتهم بالقوّة أو - وهو الأفضل - شراء هذه الحماية بأغلى ثمن من الوسطاء والمحسنين القادرين على تحسين وضعهم ولو قليلاً. ترجم هذا التطوّر وهذه الروح التعاونيّة إلى إحياء الشركات التي لا بدّ وأنّها كانت موجودةً ومنظّمةً في العهدين الروماني والبيزنطي. بالنتيجة انتمى كل شخص - ضمناً المتسوّلين والبغايا - من الآن فصاعداً إلى "نقابةٍ" مهنيّة لها تنظيماتها هدفها حماية أعضائها من المنافسة غير المشروعة وإغاثة المنكوبين والعاطلين عن العمل وكلّ هذا تحت رقابة رئيس (شيخ إذا شئنا) يلعب أيضاً دور الوسيط بين مرؤوسيه ومحمييّه من جهة والحكّام من جهة ثانية.
عنوان الخريطة الملحقة لدى Sauvaget "حارة" حسب الوثائق العقاريّة. الهدف منها لفت الانتباه لأهميّة أبواب الحارات والحارة ككيان مستقلّ لها حمّامها وسوقها ومسجدها وفرنها. تظهر الخريطة أيضاً كيف تدير البيوت ظهورها للشارع الرئيس وتفتح على الدخلات والأزقّة. الحارة المعنيّة هي النقّاشات ولكنّها مدارة تسعين درجة عكس عقارب الساعة لدى العالم الفرنسي. اقتبسها الدكتور ناصر الربّاط عن Sauvaget مع التصحيح في الحوليّات الأثريّة (الرابط أدناه).
فؤاد إفرام البستاني. دمشق الشام. المطبعة الكاثوليكيّة
تطوّر الحارة الشاميّة في القرون الوسطى
No comments:
Post a Comment