النصّ التالي تعريب عن Sauvaget مع بعض اللمسات الإضافيّة أتركها كالعادة للحواشي.
أصبحت دمشق كما رأينا مركزاً متقدّماً لمجابهة الفاطمييّن والصليبييّن وترجم ذلك إلى بناء القلعة كنموذج لهذه الميول الحربيّة الجديدة بامتياز. لا ريب أنّ الباني أتسز بن أوق نفسه (١) وكان ذلك على الزاوية الشماليّة الغربيّة للسور الروماني باستعمال أسسه وحجارته. اعتنى الأتابكة بهذا الحصن إلى أن أعيد بناؤه بالكامل بداية من العام ١٢٠٦ للميلاد وفقاً لأحدث تطوّرات الفنون العسكريّة.
القلعة بهيئتها الحاليّة اليوم تعود إلى العهد الأيّوبي ومطلع القرن الثالث عشر وهي كناية عن شبه مستطيل بطول ٢٢٠ متر وعرض ١٦٠ متر له مدخلان (٢) وتتخلّل سوره ثلاثة عشر من الأبراج العملاقة (٣).
للقلعة أهميّة استثنائيّة في اقتصاد المدينة إذ لم تكن الملاذ الأخير للدفاع (كما هو الحال في التلّ أو acropole القديم) فحسب، وأنّما أيضاً مقرّ إقامة الملك الذي تتمركز حول شخصه كافّة خدمات الدولة: لدينا دار السلطان وذويه وقاعة العرش ومكاتب ودواوين الإدارة المدنيّة والعسكريّة وموضع للحمام الزاجل وثكنات الحرس والترسانة وبيت المال ودار ضرب النقد وسجن الدولة والمدافن المؤقّتة للعائلة المالكة.
ما بقي خارج سور القلعة لا يتعدّى المحكمة التي استقرّت في دار العدل (٤) منذ أيّام نور الدين والتي كانت مع ذلك مجاورةً للقلعة إلى جنوبها مباشرةً.
علاوةً على ذلك كانت القلعة بمثابة المدينة لها سوقها وحمّاماتها وجامعها حيث يؤدّي كلّ سكّانها صلاة الجمعة ومنذ ذلك الوقت توقّف الحاكم عن الذهاب إلى الجامع الأموي باستثناء العيدين ليؤكّد بطريقة صارخة على مقامه كرأس للدولة وممثّل للخليفة.
الخلاصة كانت القلعة خارج التجمّع العمراني كما سيكون حال السراي العثماني الذي يمكن مقارنته بها من عدّة أوجه. القلعة الأيّوبيّة كانت مدينة مكتفية بذاتها تذكّرنا "بالمدينة المحرّمة" في الحواضر الصينيّة.
(١) باني القلعة في الواقع تاج الدولة تتش قاتل أتسز.
(٢) باستثناء "أبواب السرّ" poternes.
(٣) عدد الأبراج ١٢ حسب ابن شدّاد أمّا البرج الثالث عشر - على افتراض وجوده - فكان في منتصف الجدار الغربي. انظر عبد القادر ريحاوي "قلعة دمشق" اعتباراً من صفحة ٦٦.
(٤) عن دار العدل انظر ريحاوي "قصور الحكّام في دمشق" الجزء الأوّل اعتباراً من صفحة ٤٨. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الثاني والعشرون ١٩٧٢.
فؤاد إفرام البستاني. دمشق الشام. المطبعة الكاثوليكيّة
No comments:
Post a Comment