خرجت دمشق (وبلاد الشام عموماً) من العصور الوسطى لتدخل العصر الحديث - حسب Sauvaget - اعتباراً من عام ١٨٣٢ مع حملة ابراهيم باشا ابن محمّد علي. ميّز المستشرق الشهير هنا بين فترتين:
- الأولى من ١٨٣٢ إلى ١٩٢٠ انتهت مع العهد الفيصلي.
- الثانية من ١٩٢١ حتّى ١٩٣٣ عندما ألقى محاضراته عن دمشق في جامعة باريس لينشرها عام ١٩٣٤ في مجلّة الدراسات الإسلاميّة.
إذاً غطّى الفصل المتعلّق بدمشق "الحديثة" من مقاله قرناً من الزمن وتفصلنا اليوم عن النقطة التي توقّف عندها تسعون عاماً إضافيّة.
أبدأ اليوم بتعريب القسم المتعلّق بالفترة الأولى والأطول.
تنتمي دراسة المدينة في هذه الفترة إلى الجغرافيا أكثر منها إلى التاريخ ومع ذلك يحسن هنا - لإكمال الصورة - التعرّض إلى النزعات الجديدة وأثرها على التطوّر العمراني.
يمكن التمييز بين فترتين في تطوّر المدينة الحديثة.
بدأت الفترة الأولى مع الاحتلال المصري عام ١٨٣٢ وانتهت مع نهاية الهيمنة العثمانيّة عام ١٩١٨. لا يمكن لمس التأثير الأوروبّي في هذا العهد إلّا بشكل غير مباشر عن طريق وسطاء محلييّن سواءً كانوا موظّفين مصرييّن أو باشاوات "محدثين" (مدحت باشا) أو جماعة تركيّا الفتاة. إذاً لم يكن تأثير الغرب كاملاً.
ترجم هذا التأثير من جهة إلى ظهور اهتمامات جديدة خصوصاً المتعلّقة منها بالصحّة العامّة والمواصلات، ومن جهة ثانية إلى تجديد التنظيم الإداري الذي أدّى إلى بناء عدد من المنشآت المختصّة.
تجمّعت هذه المشيّدات في الأراضي الخالية من الأبنية غرب المدينة القديمة خصوصاً ساحة المرجة على ضفّة بردى: السرايا (مقرّ الإدارة المدنيّة) التي تميّزت منذ ذلك الوقت عن المشيريّة (الأركان)، دار البلديّة، مركز البريد، قصر العدل، الكليّة، الثكنات، محطّات سكك حديد بيروت والحجاز، شركة الترام، وهلمّجرّا.
أدّى الاهتمام بالصحّة العامّة إلى جرّ مياه الفيجة وتشكّلت ضواحي جديدة بعيدة للغاية عن المركز الأصلي. قامت الإدارة بتوطين مسلمين من كريت على سفح قاسيون غرب حيّ الصالحيّة في نهاية القرن التاسع عشر. أطلق على الحيّ الجديد اسم المهاجرين وخطّت شوارعه ومقاسمه بانتظام. جذب الهواء الطلق والمناظر الجميلة أرستقراطيّة الأتراك الذين وجدوا الإقامة في هذا الحيّ وسط البساتين أرضى منها في المدينة العتيقة وهكذا بدأت بيوتهم في الاصطفاف حول الطريق المستحدث.
مع دخول العربات تعيّن توسيع السوق الرئيس - الموافق للشارع الروماني المستقيم - لتسهيل السير وكان هذا على حساب الفضاء المخصّص للحوانيت التجاريّة. جرى التعويض بخلق أسواق جديدة على خندق القلعة الذي سهرت الحكومة على ردمه وتقسيم الأرض الناتجة إلى وحدات مستقلّة.
Jean Sauvaget. Esquisse d'une histoire de la ville de Damas. Revue des Études islamiques, 1934, p. 422-480.
No comments:
Post a Comment