العنوان لمقال رائد باللغة الفرنسيّة للمستشرق Jean Sauvaget نشرته مجلّة الدراسات الإسلاميّة عام ١٩٣٤ وعرّبه فؤاد إفرام البستاني عام ١٩٣٦.
البحث في الواقع يكرّر فحوى ثلاث محاضرات ألقاها العالم الفرنسي تحت رعاية معهد الدراسات الإسلاميّة ومعهد الفنّ والآثار في جامعة باريس من السادس إلى التاسع من أيّار (مايس) عام ١٩٣٣.
عمر المعلومات إذاً يقارب التسعين عاماً طرأ خلالها الكثير من المستجدّات على معارفنا وحتّى Sauvaget أعاد النظر في بعض ما كتبه في مقال بعنوان "مخطّط دمشق القديم" كتبه عام ١٩٤٩ (أي قبيل وفاته) في مجلّة Syria. مع ذلك للدراسة الأصليّة أهميّة استثنائيّة وإلى اليوم يستشهد بها الباحثون في مختلف اللغات.
تعريب البستاني متوافر على الشبكة للمهتمّين (الرابط أدناه) أمّا الأصل الفرنسي فأعزّ منالاً وإن أسعفني الحظّ بالعثور على نسخة ورقيّة منه بعد سنوات من البحث. أنوي مشاركة بعض محتوياتها في الأسابيع المقبلة.
ابدأ باقتباس عن المقدّمة:
تتميّز سوريّا - مقارنةً مع سائر البلاد العربيّة - بخلوّها من أي مدينة هامّة أسّست بعد ظهور الإسلام اللهمّ إلّا الرملة التي بناها هشام (١) والتي لم تكن خلال تاريخها أكثر من بلدة من الدرجة الثانية.
تفسير ذلك أنّ سوريّا شهدت في القرون السابقة للفتح العربي تطوّراً عمرانيّاً مستمرّاً وكثيفاً إلى درجة ملفتةٍ للنظر متجاوزةً بكثير كافّة البلدان الإسلاميّة. يعود هذا إلى عوامل جغرافيّة وعوامل تاريخيّة.
- العوامل الجغرافيّة: قسّمت الطبيعة (أي الجبال وتضاريس الأرض عموماً) سوريّا إلى "بلاد" يتطلّب كلّ منها مركزه التجاري والسياسي.
-العوامل التاريخيّة: مرتبطة بالجغرافيّا. تقع سوريّا بين مصر من جهة وبلاد ما بين النهرين من جهة ثانية. سمحت الخصوبة الأسطوريّة لمصر والعراق أن تصبحا مركزين ناشطين للحضارة منذ فجر التاريخ ومن الطبيعي لسوريّا أن تسهر على تزويد جارتيها الأكثر ثراءً بالمواد الأوّليّة التي تنقصهما كالمعادن وخشب البناء. إذاً حبّذت الصناعة والتجارة - خاصّتان مرتبطتان بالعمران بامتياز - تطوّر المدن في سوريّا منذ القدم.
ليس في وسعنا والحال هذه أن نتعرّض للمدن السوريّة بنفس الطريقة السريعة التي نتّبعها في المدن الإسلاميّة عموماً.
وقع الاختيار على دمشق كنموذج للمدن السوريّة بناءً على الاعتبارات التالية:
- المدن الساحليّة - على البحر المتوسّط - وضعها خاصّ أكر ممّا ينبغي عدا عن كونها تعرّضت للنهب والتدمير عدّة مرّات إلى درجة نقل البعض منها - طرابلس مثلاً - إلى موقع جديد.
- ليس بحوزتنا ما يكفي من المصادر القديمة لتقصّي تاريخ المدن الصغيرة في الداخل (حمص وحماة والمعرّة).
- بقي لدينا المدن العظمى الثلاث التي نملك عنها الكثير من المعلومات: دمشق وحلب والقدس. يمكن استبعاد القدس بسبب مكانتها الاستثنائيّة كحرم أوّلاً واحتلال الإفرنج الذي أضاف فصلاً جديداً إلى تاريخها المعقّد ثانياً. الخطوة التالية الاختيار بين دمشق وحلب. دمشق هي النموذج الأنسب للمدينة السوريّة بمكانتها كعاصمة الشام منذ الفتح العربي دون انقطاع وبالتالي ظهر تأثير العوامل السياسيّة فيها وتفاعل هذه العوامل مع تاريخ الإسلام عموماً بشكل أكثر وضوحاً.
(١) علّ القول أنّ من أسّس الرملة هو سليمان بن عبد الملك أقرب إلى الصواب.
فؤاد إفرام البستاني. دمشق الشام. المطبعة الكاثوليكيّة
Jean Sauvaget. Esquisse d'une histoire de la ville de Damas. Revue des Études islamiques, 1934, p. 422-480.
Esquisse d'une histoire de la ville de Damas
No comments:
Post a Comment