بدأ المستشرق الفرنسي Sauvaget بذكر عوامل تطوّر المدينة هبة الطبيعة وبردى من جهة وعبقريّة وعمل الإنسان في تنظيم الريّ في الواحة من جهة ثانية. مع ذلك هناك عدّة مساوئ لموقع المدينة أوردها المؤلّف كما يلي:
- تتجمّع المياه الراكدة في عدد لا نهاية له من الحفر والأخاديد الموزّعة في نظام سقاية الواحة لتشّكل بؤراً تنتشر منها أوبئة البرداء والحمّى التيفيّة (١).
- ليس هناك أي حاجز طبيعي يستحقّ الذكر يمكن الاعتماد عليه لصدّ الغزاة والأعداء. علاوة على ذلك يسهّل نظام الريّ - على فوائده الجمّة في أوقات السلم - حصار المدينة عن طريق قطع مياه الشرب عن معظم سكّانها (٢).
- لا يوجد في دمشق ما يكفي من الأحجار للعمار. تقبع المدينة على الحصى ممّا يجرفه بردى وتقتصر مواد البناء فيها عمليّاً على الصلصال وجذوع أشجار الحور ممّا ينبت في الوادي. هذه العناصر هشّة ناهيك عن عيوبها من الناحية الجماليّة.
- علّ صعوبة الاتّصال بين المدينة والساحل أخطر من كلّ ما سبق. يتعيّن على من يروم تجاوز سلسلتيّ جبال لبنان عبور ممرّات جبلية شاهقة الارتفاع تسدّها الثلوج أو تكاد في الشتاء أو المرور في وديان شديدة الانحدار وصعبة على المسافرين في جميع الفصول ويتعذّر عبورها في مواسم معيّنة. الاتّجاهات المفتوحة إذاً نحو الشمال والشرق والجنوب. تشكّل الانصبابات البازلتيّة عوائقاً في بعض المواقع وهناك معضلة عوز الماء الدائم أنّى اتّجهنا في هذه الربوع. أضف إلى هذه وذاك تهديد النهّابين من البدو: ظروف من هذه النوع لا تناسب الحركة والتبادل على الإطلاق. لا مناص - والحال كذلك - من التسليم أنّ دمشق لم تصبح مركزاً تجاريّاً بفضل مزايا موقعها الجغرافي وإنّما نتيجةً صفتها المزدوجة كسوق إقليم زراعي غني من جهة وازدهار الصناعة فيها من جهة ثانية. ما حصل في دمشق إذاً أنّ عظمة المدينة نشّطت الحركة والتجارة وليس العكس كما هو الحال في سائر الحواضر.
أدّت صعوبة التواصل مع الساحل عبر العصور إلى ارتباط مصير دمشق بالشرق والداخل أكثر منه بحوض البحر المتوسّط.
(١) يتكاثر البعوض الناقل للبرداء أو الملاريا على مياه المستنقعات أمّا فيما يتعلّق بالتيفوئيد أو الحمّى التيفيّة أو المعويّة فتنتقل عن طريق أكل وشرب الطعام أو الماء الملوّث ببراز المرضى.
(٢) تبجّح "الثوّار السوريّون" بقطع مياه الفيجة عن دمشق عام ٢٠١٥ أي زهاء ثمانين عاماً بعد مقال Sauvaget.
فؤاد إفرام البستاني. دمشق الشام. المطبعة الكاثوليكيّة
No comments:
Post a Comment