لا ريب أنّ توسّع التجمّع العمراني في دمشق انطلق من مركزين: المعبد والتلّ (ضمناً القصر) وإن تعذّر علينا تقدير مساحة المدينة في غياب أي معلومات عن موقع وامتداد السور الذي يفترض أنّه طوّقها من كافّة الجهات جرياً على عادات ذلك العصر.
استناداً على معطيات التنقيب المحدودة، لا بدّ أنّ هيئة المدينة الآراميّة كانت تشبه - على وجه التقريب - ما نراه اليوم في قرى المنطقة التي تطوّرت تحت ظروفٍ مماثلة (يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الثبات المطلق للعوامل الطبيعيّة والطبائع القديمة المتأصّلة لجميع سكّان القرى). يرجح أنّ دمشق وقتها لم تعرف التناظر والنظام وأنّ خطوط الدروب لم تتبع أي قاعدة باستثناء ما فرضته تضاريس الأرض وحدود الملكيّات الفرديّة وأهواء الإنسان ونزعاته. لم تشذّ المدينة في هذه السمات عن أي تجمّع عمراني يتوسّع دون مخطّط مسبق ومدروس. لم يكن هناك أدنى مراعاة للاعتبارات الجماليّة وإن وجب التنويه أنّ نمط البناء الدارج لم يشجّع على التفنّن والتطوّر. استعمل الطين كمادّة للبناء بطبيعة الحال سواءً كان ذلك بشكل ألواح كبيرة أو طوب لحشو الفراغات في هيكل خشبي (من أشجار الحور الذي ينبت في الوادي). هذه الطريقة للبناء بسيطة وسهلة التنفيذ ولا تتطلّب من المواد إلّا ما يمكن العثور عليه محليّاً. يؤخذ على بيوت كهذه أنّ مظهرها الخارجي لا يستهوي الناظر ولا يتجاوز كتلاً مكعبةً صمّاء الجدران مطليّةً بمزيج من الطين والتبن (الصورة الملحقة). أضف إلى ذلك أنّها هشّة إلى أقصى الحدود.
لربّما كانت المباني الكبيرة مشيّدةً وفق نفس المبادئ والأساليب التقليديّة البدائيّة التي اعتمدت في المنشآت الخاصّة ولكن هذا لا يعني بالضرورة خلوّها من لمساتٍ من البذخ في الداخل إذ لدينا على الأقلّ المعبد الذي احتوى على مذبح جميل إلى درجة أنّ آحاز ملك يهوذا أعجب به وأمر ببناء مذبح على شاكلته في هيكل القدس (الآيتان العاشرة والحادية عشرة من الإصحاح السادس عشر سفر الملوك الثاني).
فؤاد إفرام البستاني. دمشق الشام. المطبعة الكاثوليكيّة
No comments:
Post a Comment