صفحات مطويّة من تاريخ دورا أوروپوس
العنوان أعلاه لمقال قصير عن دورا أوروپوس بقلم الأستاذ إبراهيم الصالح نشر في عدد الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة الصادر عام ١٩٨٤ على عشر صفحات بما فيها الخريطة وثبت المراجع.
يقدّم الأستاذ الصالح في هذا المقال خلاصةً مفيدةً لتاريخ المدينة بادئاً بقصّة اكتشافها قبل مائة عام وأعمال التنقيب التي تلته. ينتقل المؤلّف بعد ذلك إلى وصف موقع دورا واستعراض اقتصادها وإدارتها وتاريخها ولغتها حتّى سقوطها على يد الساسانييّن عام ٢٥٦.
التواريخ بحاجة إلى تدقيق وعلى سبيل المثال كتب المؤلّف (ص ٢١٩) أنّ الأسرة الساسانيّة تربّعت على عرش فارس عام ١٦١ للميلاد (الصواب ٢٢٤ م) ومع الأسف نقل دليل متحف دمشق الوطني هذا الخطأ كما هو (كما نقل كلّ معلوماته من المقال عمليّاً بترجمة بائسة مليئة بالأخطاء إلى ثلاث لغات أوروبيّة).
فيما عدا ذلك يمكن اعتبار المقال تعريفاً معقولاً للمدينة وعلاقتها بمحيطها (مع تركيز خاصّ على الروابط بينها وبين تدمر) وإن جدرت الإشارة أنّ معطياته مأخوذة من مراجع أجنبيّة بالدرجة الأولى وأنّ أسبقيّة تنقيب دورا ودراستها تعود بالدرجة الأولى للغربييّن شأنها في ذلك الكثير من المواقع السوريّة.
يؤحذ على العمل بالدرجة الأولى إقحام لا مسوّغ له للسياسة في التاريخ والآثار والفنّ والفكر إذ كرّس الأستاذ الصالح صفحةً كاملةً في هذا المقال القصير لما اعتقده تصدّياً "للدعاية الصهيونيّة التي استغلّت الكنيس أبشع استغلال فشوّهت الحقيقة وأساءت للعلم والتاريخ فافترضت أنّ وجود الكنيس يشير إلى إشعاع الثقافة اليهوديّة.." إلى آخر المألكة. يتحوّل الكاتب بعد ذلك إلى مهاجمة اليهود كيهود فيقول أنّه لم يكن لهم في الشرق "العربي" أي وزن "اقتصادي أو سياسي أو حضاري بعد أن قضى الملك الآشوري تغلات فلاصر الأوّل عليهم" (خطأ طبعاً: تغلات فلاصر الأوّل مات في القرن الحادي عشر ق.م. قبل العهد الحقيقي أو المفترض لأي مملكة يهوديّة).
يتابع الأستاذ الصالح فيقول أنّ "اليهود كانوا عالة على شعوب المنطقة في كلّ ما وصلوا إليه" ثمّ ينقل عن بعض الكتّاب الغربييّن أنّهم "ذهبوا إلى بابل همجاً وعادوا منها متمدّنين".
يقع الأستاذ الصالح في هذا المقال بخطأ شائع ومؤسف لا يخدم قضايانا في شيء إن لم يقل أنّه يضرّ بها إلى درجة كبيرة: الخلط بين اليهود كدين والصهيونيّة كفكر وإسرائيل الحاليّة ككيان جغرافي سياسي. ليس اليهودي بالضرورة إسرائيليّاً وليس الإسرائيلي - وإلى اليوم - بالضرورة يهوديّاً. بنفس المنطق ليس كل عربي مسلم وليس كل مسلم عربي (معظم مسلميّ العالم ليسوا من العرب).
شاء العروبيّون أم أبوا لغة اليهود تنتمي إلى عائلة اللغات الساميّة كاللغة العربيّة وأختها السريانيّة ويهود الشرق الأدنى (المزراحيم) أحد مكوّنات شعوبه منذ أكثر من ألفيّ سنة.
هذا من وجهة نظر لغويّة وإثنيّة أمّا من الناحية الدينيّة فلا أعتقد أنّ هناك خلاف أنّ الكتاب المقدّس مكوّن من العهد القديم + العهد الجديد وأنّ مسيحيّي العالم بأسره يعترفون بالعهد القديم ووصايا الله العشر أمّا الإسلام فقد اعترف بنبوّة موسى (أكثر الأسماء ذكراً في القرآن على الإطلاق) وإبراهيم وداود وسليمان وغيرهم وعلى سبيل المثال "يا بني إسرائيل إذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين". أضف إلى ذلك الدور الذي لعبته الإسرائيليّات (كعب الأحبار ووهب ابن منبّه) في التأريخ الإسلامي.
كان خيراً وأبقى لو ترك الأستاذ الصالح السياسة للجرائد والمجلّات المختصّة واقتصر على النواحي التاريخيّة العلميّة والفنيّة كما هو جدير بالحوليّات.
No comments:
Post a Comment