Thursday, December 8, 2022

موسى ومعجزة الماء: تتمّة

 


يقف موسى في منتصف المخيّم أمام المسكن ليجترح معجزة انجباس الماء. يستدير موسى قليلاً إلى جهة اليسار ويبدو وجهه جباهيّاً. لون بشرته أسمر مائل إلى الإحمرار كما في لوحات النسق الأوّل ممّا يسهّل التعرّف عليه. ردائه يونانيّ الطراز مع أهداب بيد أنّ القماش يلفت الانتباه إذ تزخرفه مربّعات بيضاء وبرتقاليّة ونرى على مكوّناته شرائط على طول الثوب تحيط أيضاً بأكمام الذراع  وتتراوح ألوان مربّعاتها من البنفسجي الداكن إلى الزاهي (١). نرى على الكتف الأيسر شريطاً صغيراً معقوداً على الياقة. قدما موسى عاريتان ولربّما كان في ذلك إشارة لقدسيّة المكان. شكّل المخيّم قدساً (تثنية الإصحاح الثالث والعشرون الآية الرابعة عشرة) ويبقى المسكن بالطبع أكثر منه قدسيّةً.  


يشير موسى بيسراه المبسوطة إلى حوض أو حافّة بئر ينجبس الماء منها ليخرج في إثني عشر جدولاً متعرّجاً بينما تلقي يمناه في الماء عصاه. نميّز بوضوح المسافة التي تفصل بين يد موسى والعصا


أمكن لفنّان دورا أن يستمدّ لوحة معجزة الماء في الصحراء من عدّة روايات في الكتاب المقدّس (٢). افتقد العبرانيّون إلى الماء تكراراً خلال مسيرتهم تحت ظروفٍ شديدة الاختلاف وفي كل مرّة تدخّل الربّ - بعد أن ابتهل موسى إليه - ليزوّدهم به. 


يخبرنا سفر الخروج (الإصحاح الثالث والعشرون الآية السادسة عشرة) أنّ موسى ابتدع (أو علّه أحيا) عيداً سنويّاً احتفالاً بعودة الماء ومعه النبات (عيد العرش أو المظلّة) حيث يقوم العبرانيّون في اليوم الأوّل من هذه المناسبة بقطف الفواكه والأغصان ويقيمون تحت الخيام (المظالّ ومنه اسم المظلّة Tabernacle) لمدّة سبعة أيّام (لاويين الإصحاح الثالث والعشرون الآيات ٤٠-٤٣) وهنا يجدر التنويه أنّ الخيام الملّونة في هذه اللوحة أقرب إلى ما يضرب في الأعياد منها إلى الخيام البدويّة. 


لهذه الاحتفالات مدلول يتعلّق الزراعة والخصوبة (كما في كثير من أعياد الشرق الأدنى "الوثنيّة" ورموزها الدينيّة قديماً) وهي مجلبة لبركة الربّ على المحاصيل (تثنية الإصحاح السادس عشر الآيات ١٣-١٥) التي تترجم إلى أمطار غزيرة. هدف هذا العيد إذاً تجديد يتكرّر إلى الأبد لمعجزة الماء التي أتاها موسى عندما أغدق السائل الثمين على جميع اليهود. هناك إشارة إلى هذه الفكرة في يوحنّا الإصحاح السابع (آيتان ٣٧-٣٨) عندما:


وقف يسوع ونادى قائلاً "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب  

من آمن بي كما قال الكتاب (٣) تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" 


تشير اللوحة إذاً (الجداول والأسباط والخيام أو المظالّ والعبرانيّون الحامدون لنعمة الربّ) إلى عيد العرشّ أو عيد المظلّة كما فهمه يهود دورا. 






(١) تحبك الأقمشة التي تحمل هذه المربّعات في أيّامنا (كتب المؤلّف في أواخر ثلاثينات القرن العشرين) في كافّة أنحاء الإقليم وتستعمل أغطيّة وإن صنعت منها الثياب من حين لآخر كما في الصورة الملحقة بالأبيض والأسود من دورا.  

(٢) احتاج العبرانيّون للماء للمرّة الأولى في مارة بعد ثلاثة أيّام من رحلتهم في الصحراء. 

(٣) إشعيا الإصحاح الثامن والخمسون الآية الحادية عشرة.
















Comte du Mesnil du Buisson. Les Peintures de la Synagogue de Doura-Europos, 245-246 après J.-C., Roma, Pontificio Istituto Biblico. Piazza della Pilotta, 35.  1939.



No comments:

Post a Comment