نتابع اليوم دراسة تفاصيل اللوحة الثانية عشرة في كنيس دورا أوروپوس التي نرى فيها ستّة أشخاص أكبرهم - وأقربهم إلى المركز - هارون الذي أزالت كتابة يونانيّة قرب رأسه أي التباس عن هويّته. نلاحظ ستارةً ورديّة معلّقة خلفه.
رداء الحبر الأعظم مثير للانتباه في غناه وكثرة تفاصيله (الرسم الأوّل في اللوحة أعلاه) التي نصفها كما يلي:
١. معطف أحمر كبير بشكل عباءة مؤطّرة بشريط مذهّب عريض مثبّت في الأمام بواسطة إبزيم ذهبي كبير بيضويّ الشكل ومرصّع بالأحجار الكريمة (حجر أسود في المنتصف حوله أربع أحجار بيضاء (الرسم الثاني في اللوحة). تقسم أشرطة مذهّبة هذا المعطف أفقيّاً إلى ثلاثة أقسام نرى في العلويّين منها ربّتيّ نصر مبسوطتيّ الأجنحة على كلّ من الجانبين تمسك بيديها إكليلاً شريطيّاً. يظهر في المستوى الأدنى شكل أشبه بجنّي مجنّح تلاشت معالمه أو كادت. يزيّن المعطف عدد كبير من المجوهرات (التفاصيل في اللوحة الثانية).
من المحتمل - كما رأينا في حالة زوايا المسكن العلويّة - أنّ ربّات النصر والجنّ مثّلت للفنّان ملائكةً صغاراً chérubin ويمكن بالفعل تفسير الأجنحة من خلال وصف الكتاب المقدّس (خروج إصحاح ٢٥ آية ٢٠). سيستعمل الفنّ المسيحي لاحقاً ربّات النصر لتمثيل الملائكة.
٢. يلبس هارون تحت المعطف سترةً أو رداءً قصيراً أزرق اللون مزيّن بشرائط مذهّبة وحوله زنّار أبيض. تذكّرنا هذه السترة بمثيلاتها في الثياب الفارسيّة.
٣. نرى تحت السترة ثوباً سابغاً نسج من مربّعات يتناوب فيها اللونان الأسود والأخضر. يحدّ شريط مذهّب هذا الثوب من الأسفل.
٤. الأحذية بيضاء طريّة على غرار النماذج الفارسيّة ويمكن بناءً على ذلك أن نفترض وجود سروال تحت الثوب أيضاً حسب النماذج الفارسيّة.
٥. يعتمر هارون تاجاً مرتفعاً مستدير الشكل يغطّي الأذنين على محيطه صفّ من الدرر وهناك وشاح يتدلّى خلفه. لون التاج أحمر وكذلك لون الوشاح.
أعطانا سفر الخروج وصفاً دقيقاً ومفصّلاً لزيّ هارون في الإصحاح الثامن والعشرين والتاسع والعشرين وهذا الوصف لا يتّفق مطلقاً مع ما رسمه الفنّان. من المستبعد أنّ يهود القرن الثالث للميلاد نسو الرداء (اللوحة الملوّنة أدناه) إلى الدرجة التي تجعلهم يستعيضون عنه بهذا المعطف الثقيل الذي لا يشابهه لا من ناحية الشكل ولا الألوان ولا عدد الأحجار الكريمة. أضف إلى ذلك أنّنا لا نرى في الإكليل صفيحة الذهب المنقوشة التي تضفي عليه القداسة (خروج إصحاح ٢٨ آيات ٣٦-٣٨ مثلاً). التاج في اللوحة أشبه ما يكون بتيجان ملوك فارس المعروفة من النقد المسكوك منذ القرن الأوّل قبل الميلاد.
الرداء |
مع ذلك لا يمكننا التسليم أنّ الفنّان اخترع زيّاً على هذه الدرجة من التعقيد من نسج خياله ولا بدّ من أنّه استقاه من مكان ما وبالتالي يتعيّن علينا محاولة اكتشاف المصدر. هنا تجدر الإشارة أنّ أزياء الكهنة الوثنييّن في دورا مختلفة تماماً عمّا نراه في اللوحة باستثناء التاج.
نجد ما يشبه زيّ هارون في لوحة دورا في الفنون المتعلّقة بالشعائر المسيحيّة البيزنطيّة: أصل العباءة الكبيرة على الأرجح فارسي وكذلك الأمر فيما يتعلّق بالسترة القصيرة والثوب السابغ وهذه الملابس تطابق بالضبط ثياب موسى وهارون في لوحات القرون الوسطى عن المسكن Tabernacle. نتساءل - استناداً إلى لوحة كنيس دورا - فيما إذا كان الزيّ المرسوم دارجاً في الشعائر اليهوديّة القديمة في كنس الشرق في القرون الأولى للميلاد وانتقل منها إلى الطقوس المسيحيّة التي ارتبطت أصولها بالمراسيم التي مورست في دور عبادة اليهود.
اللوحة الثانية عشرة: هارون والمسكن
تابوت العهد، الحجاب، المنارة، المذابح، والأضاحي
No comments:
Post a Comment