شهبا

 

استأنف رتلنا زحفه نحو شهبا فجر السادس عشر من أيّار مايو ١٩٢٦. 

الدرب أفضل لا شكّ ممّا كان بالأمس وإن تعيّن علينا الصعود إلى ارتفاع ١٢٠٠ متر كي نصل إلى الممرّ الجبلي المؤدّي إلى هضبة شهبا. الطريقُ شديدةُ الانحدار والحرارةُ قائظةٌ. العرق يقطر من الرجال والزَبَد يغطّي الحيوانات وتبقى المسيرةُ مع ذلك من الهنات الهيّنات مقارنةً مع البارحة. 

تعرّض أنصارنا الدروز وفرساننا المغاربة إلى وابلٍ من العيارات الناريّة بمجرّد عبورهم الخانق. أتت هذه الطلقات من المرتفع الذي احتلّه المتمرّدون على اليمين. تمثّل ردّنا بالإتيان بمدفعين ورفعهما إلى الهضبة ثمّ تسديدهما على العدوّ. تلى هذا القصف العنيف هجوم الفرسان المغاربة والدروز ممّا أدّى إلى فرار العصاة عبر الدروب الصخريّة تاركين بين أيدينا أربعةً من الأسرى المصابين بجراحٍ طفيفة. لم نَرَ المزيد من المتمرّدين فيما تبقّى من اليوم. 

المنظر خلّابٌ في هضبة شهبا ومختلفٌ بالكليّة عمّا رأيناه حتّى الآن: على اليمين تموّجات الحقول المزروعة التي تتناثر فيها الصخور والحصباء والجدران المبنيّة من الأحجار الجافّة؛ أمامنا مرجٌ أخضر عظيم الامتداد خَطَرَت عليه وحداتُنا بعد اختراقها الممرّ الجبلي المذكور، كما لو كانت في حقلٍ للمناورة؛ على اليسار سورٌ رومانيٌّ قديمٌ يمتدّ قرابةَ الكيلومتر على طول الطريق وفي وسطه بابٌ مقنطرٌ جميلٌ للغاية لا يزال في حالةٍ جيّدة. يؤدّي هذا الباب إلى طريقٍ مهيبٍ مرصوفٍ بالحجارة يبلغ عرضه عشرين من الأمتار. 

اليوم يمشي جنود حَملْة شهبا من الفرنسييّن والمحلييّن على هذا الشارع رافعين رؤوسهم بمنتهى الثقة بعد نجاحهم في مسعاهم، تماماً كما فعلت الفيالق الرومانيّة في الماضي. شارك أنصارنا الدروز والهجّانة الحورانيّون في الحبور العامّ وصدحت أناشيدهم إذ يطأون هذا الطريق الحجري الذي بنته حضارةٌ ثانية (١) في غابر الأزمان. لا يملك المرء أمام هذه الأنقاض الشامخة الشاهدة على عظمةٍ دَرَسَت إلّا الإعجاب والاحترام. 

يتبع.     

     

مصدر الصورة مقال للأستاذ معين حمد العماطوري في موقع Syria.  

(١) الإشارة إلى الحضارة الرومانيّة أمّا الحضارة الأولى أو الحاليّة (حسب المؤلّف) فهي الفرنسيّة بالطبع.

Édouard Andréa

Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937.