Saturday, August 5, 2023

فرنسا بلدٌ عظيم

 


جمع الجنرال Andréa نفراً من زعامات الدروز ووجهائهم من المقرن الشمالي في أحد بيوت قرية الدور وهنّأهم على استسلامهم ثمّ ألقى عليهم خطبةً في مطلع أيّار - مايو ١٩٢٦ نبرتها أشبه ما تكون بنبرة الواعظ الذي يلقي محاضرةً على أطفالٍ قاصرين (قارن مع نداء de Jouvenel إلى الشعب الدرزي في شباط من نفس العام). مع ذلك لا يمكن إنكار ما جاء في خطابه عن التفاوت الهائل في القوّة بين الطرفين: عدد سكّان جبل الدروز آنذاك حسب تقدير المؤلّف حوالي خمسين ألفاً بينما قارب عدد سكّان سوريّا ولبنان سويّةً ثلاثة ملايين منهم من دان بولائه لفرنسا. بالمقابل بلغ عدد سكّان فرنسا الانتداب أربعين مليوناً في وقت تربّعت فيه فرنسا على رأس ثاني أكبر إمبراطوريّة في العالم (١٣،٥ مليون كيلومتر مربّع سكنها ١٥٠ مليون إنسان). المواجهة إذاً يائسة بكلّ ما في الكلمة من معنى بين قوّةٍ صناعيّةٍ عظمى وبلاد متخلّفة، ضئيلة الخطر، صغيرة المساحة، محدودة الأمكانيّات. الطريقة الوحيدة الممكنة للتخلّص من الفرنسييّن هي الاستعانة بالإنجليز (كما حاول فيصل والهاشميّون) و"الإمبراطوريّة التي لا تغيب عنها الشمس". ناهزت مساحة الأراضي التي سيطرت عليها بريطانيا في فترة ما بين الحربين ربع مساحة اليابسة على الكرة الأرضيّة (٣٥،٥ مليون كيلومتر مربّع) عاش عليها ٤١٢ مليون إنسان (بلغ عدد سكّان الأرض عام ١٩٢٥ بليونين من البشر). هناك ما يشير إلى أنّ بريطانيا نظرت بعين العطف للحراك ضّد فرنسا وغضّت النظر عن مساعدات البلاط الأردني للثوّار - المتمرّدين - ليس حبّاً بسوريّا بل نكاية بالفرنسييّن - ولكن هذا لا يعني أنّها كانت مستعدّة لشنّ الحرب على فرنسا وطردها من بلاد الشام. 



أنتقل الآن إلى خطاب الجنرال الفرنسي:  


"أتى الفرنسيّون إلى سوريّا استجابةً لعصبة الأمم التي انتدبتهم لتلقين الدروز وسائر شعوب الدول السوريّة الكيفيّة التي ينبغي على شعبٍ مستقلٍّ أن يدير بواسطتها نفسه وينظم علاقاته مع جيرانه. ليس بإمكان شعب مثلكم، رزح لفترةٍ طويلةٍ تحت نير الأتراك، أن يعالج أموره بنفسه من عشيّةٍ إلى ضحاها بمجرّد أن يستعيد حريّته نظراً لجهله المطبق بكلّ ما يتعلّق بالإدارة. لا يستطيع هذا الشعب أيضاً أن يدافع عن نفسه ضدّ أطماع الشعوب المحيطة به كونه لا يملك جيشاً نظاميّاً. فُوِّضَت فرنسا سلطةً منتدبةً على سوريّا وليس لها أدنى هدف أناني بل على العكس تماماً: أرسلت لكم جنودها وجلبت لكم خبرتها ورؤوس أموالها لتحسّن أرضكم وتطوّر تجارتكم بما يسمح لبلدكم أن يأخذ مكانه بين الأمم المزدهرة.


كان ردُّكم على نوايا فرنسا النبيلة هذه التمرّد ضدّها. استمعتم لأكاذيب سلطان الأطرش رغم معرفتكم أنّه باع نفسه للأجانب وصدّقتموه عندما ادّعى أنّ الجنود الفرنسييّن قَتَلة نساء وأطفال بينما يشهد ماضينا كلّه على طيبتنا وإحساننا للضعفاء والمضطّهدين. ما عليكم إلّا أن تسألوا جنودنا الجزائرييّن والمغاربة والسنغالييّن المحيطين بقريتكم وستسمعون جوابهم بأنفسكم. 


عائلاتكم مقدّسةُ بالنسبة لنا تماماً كعائلاتنا ولن تروا أبداً جنديّاً فرنسيّاً يعاملهم بالسوء. 


فلتعلموا أيضاً أنّ فرنسا بلدٌ عظيم وأنّ شيوخكم المتمرّدين لا حيلة لهم ضدّها. ائتُمِنَت فرنسا على أن تحضّر سوريّا للدور الكبير الذي ستلعبه في المشرق وستكرّس كافّة إمكانيّاتها في سبيل أداء هذه الأمانة حتّى آخر جندي من جنودها إذا اقتضى الأمر ولن يمنعها أحد في العالم بأسره من تنفيذ المهمّة الكبرى التي أُلقيَت على عاتقها. لئن كان لديكم ستّة آلاف مقاتل في الجبل فلدى فرنسا الملايين ونترك إليكم التكهّن لمن ستكون الكلمة الفصل. 


عودوا إلى قراكم وطَمْئِنوا أُسَرَكم وازرعوا أرضَكم وبيعوا محاصيلَكم واعملوا على تنمية ثرواتِكم وتوقّفوا عن صراعٍ لن يجلب لكم إلّا الخراب والبؤس والموت لكلّ مسلّح يحاول الوقوف في وجه مهمّتنا.


أتيتمونا اليوم تعلنون إذعانكم ولكنّكم لم تأتوا بأيٍٍّ من أسلحتكم التي طالبناكم بها كي لا تراودكم الرغبة في المستقبل بالعودة إلى الخطأ الذي ينوء شعبكم تحت وطأة عواقبه اليوم. سيكون لكم - بعد تسليم بنادقكم - ملء الحقّ في حماية فرنسا لكم وفي المكاسب التي جلبتها إلى بلادكم. بانتظار ذلك ستترك كل قرية في السويداء رهينةً لدى السلطات الفرنسيّة: شيخ أو وجيه يستطيع العودة إلى بيته بعد أن تتمّ عمليّة تسليم الأسلحة". 







Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 


No comments:

Post a Comment