Saturday, August 26, 2023

الإسلام قبل وبعد مائة عام



نَذَرَ قيصر ألمانيا غليوم الثاني Wilhelm II خلال زيارته إلى دمشق عام ١٨٩٨ صداقَتَهُ الدائمة لثلاثمائة مليون مسلم موزّعين في كافّة أنحاء العالم. تجدر الإشارة هنا أنّ عدد سكّان الكرة الأرضيّة وقتها قُدِّرَ بحوالي ألف وستّمائة مليون نسمة. بعبارةٍ ثانية قاربت نسبة المسلمين في العالم - حسب زعمه - حوالي العشرين بالمائة. 


اعتبر الأب Henri Lammens هذا الرقم مبالغاً به في كتابه عن الإسلام التي صدرت طبعته الأولى في بيروت عام ١٩٢٦ وأنّ الرقم الحقيقي أقلّ بأربعين إلى مائة وخمس وعشرين مليوناً حسب المصدر صنّفهم كما يلي:


- المسلمون العرب الأقحاح حوالي ١٢ مليون.

- المسلمون المستعربون أو الناطقون بالعربيّة ٣٤ مليون.

- مسلموّ أوروپّا (روسيا والبلقان١٩ مليون.

- مسلموّ الأمريكتين مائة وسبعون إلى مائة وثمانون ألفاً. 

- مسلموّ أوروپّا الغربيّة (جميعهم مهاجرون) خمسون ألفاً. 

- مسلموّ أستراليا أربعون ألفاً. 

- الباقي (الغالبيّة العظمى) المسلمون الآسيويّون وخصوصاً الهنود (قبل فصل بنغلاديش وپاكستان عن الهند طبعاً). 


أضاف Lammens أنّ عدد المسلمين ثابت أو في تناقص باستثناء البلاد المُسْتَعْمَرَة من قِبَلِ الغرب أو المتأثّرة به بشكلٍ أو بآخر وهذا بفضل الرخاء الذي أتى به الأوروپيّون. الإسلامُ بالتالي مدينٌ لأوروپّا والاستعمار في عصرٍ اعتُبِرَت فيه زيادةَ السكّان دليلاً على الرخاء والبحبوحة. استخلص العالم البلجيكي أنّه إذا أخذنا أعلاه بعين الاعتبار + صعود نجم القوميّات والعلمانيّة (تركيّا مثلاً) + الزيجات المختلطة + ارتداد الكثيرين في إفريقيا وآسيا عن الإسلام نصل - على الأقلّ في أوروپّا - إلى النتيجة الآتية: 


"En Europe, à la suite des derniers échanges de populations, on peut prévoir le temps où seule la Russie, comptera encore des groupments importants des Musulmans que le Bolchévisme commence à entamer."


"من الممكن على إثر تبادلات السكّان الأخيرة (١) أن نتوقّعَ الوقت الذي يقتصر تواجد مجموعاتٍ هامّةٍ من المسلمين في أوروپّا  فيه على روسيا وحتّى في هذه الأخيرة بدأت البلشڤيّة في النيل من هذا التواجد." 


السيّد Lammens عالم كبير أتقَنَ العربيّةَ أكثر من الغالبيّة الساحقة من أبنائها وبناتها ويعتبر من روّاد الدراسات الاستشراقيّة عن الإسلام. كتابه الآنف الذكر متوافر رقميّاً بالمجّان بالفرنسيّة والإنجليزيّة ورأيه له وزنه ما في ذلك من شكّ. مع ذلك من الواضح أنّه أخطأ في تنبّؤاته عن اضمحلال الإسلام في أوروپّا على طول الخطّ وهو هنا يقع في التباسٍ شائعٍ يتمثّل بكّلِ بساطةٍ في إسقاط الحاضر على الماضي والمستقبل.  


نستطيع أن نتخيّل حياةَ أجدادنا قبْلَ مائة عام ولكنّنا لا نعرفها أبداً كما كانت فعلاً. نحن نجهل الدنيا دون كهرباءٍ (باستثناء بعض مناطق المدن المحظوطة)، ولا مياه شرب جارية (فيجة دمشق قطعاً ليس القاعدة) ولا صرف صحّي ولا راديو (بَلْهَ التلفزيون والإنترنتّ) ولا طبابة تستحقّ الذكر ولا تعليم للإناث (وحتّى معظم الذكور) ولا مواصلات باستثناء ظهور الدوابّ .... رؤيتُنا للماضي بعين الحاضر مشوّهة (سلباً أم إيجاياً كما في "الزمن الجميل" المزعوم) أمّا رؤيتنا للمستقبل (أيضاً بعين الحاضر) فمستحيلة ولا تخرج عن الحدس والتخمين والتنجيم وضرب الأخماس بالأسداس. 


عدد المسلمين في أوروپّا اليوم في ازدياد وليس هناك أدنى إشارة إلى ما يتهدّدهُ جدّيّاً في "المستقبل المنظور". بالمقابل اختفى الوجود اليهودي الغارق في القدم في الشرق الأدنى باستثناء إسرائيل وهناك إشاراتٌ مقلقةٌ عن مصير الوجود المسيحي في مهد المسيحيّة لربّما كانت أكثر جدّيّةً ممّا توقّعه Lammens في حينهِ عن مآل مسلميّ أوروپّا. 



(١) الإشارة إلى النزوحات الجماعيّة التي واكبت سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة والأحداث التي تلتها مباشرةً (تهجير المسيحييّن بما فيهم الأرمن من آسيا الصغرى وتهجير مسلميّ البلقان). 





   

No comments:

Post a Comment