بعد سقوط السويداء
العَلَمُ الفرنسيُّ يخفق فوق السويداء التي لم يبقَ فيها إنسان. القرى المحيطة بها أيضاً خاويةٌ على عروشها كما بدى لطيّارينا الذين عاينوا جرحى الدروز يمشونَ في تثاقلٍ في دروب الجبل بحثاً عن ملاذٍ بينما تبتعد حماعاتٌ كبيرةٌ من المتمرّدين باتّجاه صلخد.
أتى مبعوثٌ يعمل لحسابنا من الجنوب ليخبرنا عن اجتماع عقده مشايخ الدروز في العفينة اقترح سلطان الأطرش أثناءه مهاجمة المعسكر الفرنسي في السويداء بيد أنّه اصطدم بمعارضةَ ابن عمّه متعب بك وعمّه عبد الغفّار باشا (١) اللذان اقترحا إمّا الاستسلام وإمّا الرحيل عن الجبل وليس المزيد من الاستنزاف لبلدٍ فقد أكثر من ألف مقاتل. طالت المناقشات حول جدوى استئناف الصراع عدّة ساعات دون التوصّل إلى قرار.
من غير المحتمل أن نواجه معركةً كبيرةً كما حدث في الخامس والعشرين من نيسان أبريل (١٩٢٦) في المستقبل القريب. بذل الدروز قصارى جهدهم في هذه المعركة التي استنفذت قوّتهم بعد أن أعلنوا - بالغرور الذي يميّزهم - أنّ السويداء ڤردان الجبل (٢). صحيح أنّهم هُِزِموا ولكنّهم لا يزالون مسلّحين وكلّ الدلائل تشير إلى نيّتهم مواصلة النضال. مع ذلك لم يعد باستطاعة زعماء التمرّد جمع ستّة إلى سبعة آلاف من المحاربين المسلّحين بالبنادق كما فعلوا في معركة السويداء عندما لبّى جميع الدروز نداء سلطان بعد انتصاره في المعارك السابقة. لا ريب أنّ عدداً كبيراً من القروييّن خصوصاً من أهل المقرن الشمالي ممّن أُكْرِهوا على الانضواء تحت رايته سيستردّون حريّتهم اليوم بعد هزيمته وعودة القوّات الفرنسيّة إلى أرض الدروز.
يتبع
(١) ليس تماماً. عبد الغفّار ومتعب حفيديّ إسماعيل الأطرش من إبنيه إبراهيم وهلال على التوالي أمّا سلطان فهو ابن ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل.
(٢) إشارة إلى معركة ڤردان بين الألمان والفرنسييّن عام ١٩١٦ خلال الحرب العالميّة الأولى التي انتهت بنصر أشبه بالهزيمة للفرنسيين وخسارة كلّ من الطرفين ثلاثمائة إلى أربعمائة ألف بين قتيلٍ وجريح. تجدر الإشارة هنا إلى شارع ڤردان في بيروت وما هو إلّا غيض من فيض من المسمّيات التي خلعها عشّاق "أمّنا الحنون" على المعالم اللبنانيّة.
الصورة لقرية العفينة عن الوكالة العربيّة السوريّة للأنباء.
No comments:
Post a Comment