الوضع في المقرن الشمالي كما وصفه الجنرال Andréa في حزيران ١٩٢٦:
أعلن حسن جربوع وعلي الحنّاوي، اثنان من زعماء الدين الدروز، استسلامهما لقائد
عرض الشيوخ الثلاثة الذين أذعنوا لنا التعاون معنا من تلقاء أنفسهم في سبيل إحلال السلام في الإقليم وكتبوا رسائلاً وزّعها مبعوثوهم في القرى أضف إلى ذلك أنّهم زاروا شخصيّاً الشيوخ والأعيان من حينٍ لآخر لإقناعهم بالاستسلام. فيما يلي ترجمة نصّ إحدى رسائلهم (٣) التي وُزّعَت في المقرن الشمالي للحول بين الناس وبين الإصغاء لزعيم العصابة فضل الله هنيدي، أحد أكثر أعوان سلطان الأطرش كفاءةً:
"نداء إلى جميع أهالي الجبل.
عسى أن تسمعوا كلمةَ الحقّ بإذن الله.
لا يخفى على من يتلقّى خطابنا هذا قوّة الجيش الفرنسي العظيم وآلات الحرب التي أتى بها إلى بلادنا ممّا يحكم سلفاً بالفشل على أي محاولة منكم للمقاومة التي لن يؤدّي استمراركم بها إلّا إلى خراب الديار وقَتْل الشباب وزيادة عدد اليتامى.
لا تريد السلطات الفرنسيّة لوطننا إلّا الخير والازدهار وها هي قد باشرت بالفعل في إعمار الخراب الذي حلّ بنا.
إيّاكم أن تصدّقوا أنّ فرنسا جمعت هذه القوّات الكبيرة بهدف إزالة الشعب الدرزي من الوجود. غاية ما تريده اجتثاث شرور قطّاع الطرق ومعاقبة من كانوا السبب في هذا التمرّد الذي نعاني عواقِبَهُ أجمعين.
فرنسا على أتمّ استعداد للعفو عنكم إذا أخلصتم في التسليم لها. الإذعان وطاعة السلطة، عندما يكون المرء واثقاً من عطفها ورأفتها، مبدأٌ دينيٌّ كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (سورة النساء الآية التاسعة والخمسون). الإصرار على شقّ عصا الطاعة زندقةٌ وعملٌ يخالف الدين وأوامر ربّنا عزّ وجلّ.
وصلت إلينا أخبارٌ مفادُها أنّ العصابات في سبيلها لإعادة التشكيل، بإيعاز من فضل الله باشا هنيدي، في المناطق التي استسلمت لفرنسا. هذا الرجل يجنّدكم باسم سلطان الأطرش ويدفع مرتّبات المنضمّين إليه بالمال المخصّص للمعوزين من الدروز. كان من المفروض أن يستخدم هذا المال لمعونتكم في الشقاء الذي تعيشونه وليس، كما هو الحال الآن، لإرضاء طموحات سلطان الشخصيّة ودفعكم إلى ارتكاب جرائمٍ يستفيد هو منها.
نعلن من هذا المنطلق أنّ فضل الله باشا هنيدي، المكابر في غيّه، منشقٌّ عن الدين!
فليحلّ غضبُ الله عليه وعلى من يصغي إلى أقواله ويطيعُ مشورته وينخرطُ تحت لوائهِ!
لعنةُ الله وأنبيائه عليهم!
إنّنا نتبرّأ منهم ونعتبرهم خارجين عن ديننا المقدّس!
فليكن موتُ الذي لفظ أنفاسه منهم تحت الظروف الراهنة موتُ جاهليّةٍ إلى الأبد وعسى الله أن يأخذهم إلى جهنّم وبئس المصير!
السلام على من اتّبع نصائحنا"
تلت هذه الرسالة إمضاءات الزعماء الدينييّن الثلاثة حسن جربوع وعلي الحنّاوي ومحمود أبو فخر.
ما الذي سيترتّب على هذه الرسالة الغير مألوفة من أدبيّات الدروز؟
على الأرجح ليس بالشيء الكثير إذ لا يزال سلطان زعيم الإقليم الدرزي بلا منازع؛ من ناحيةٍ ثانية اعتقد البعض أنّ العصيان أجهز على نفوذ الزعماء الدينييّن أو كاد وعزّز، على حسابهم، مكانةَ زعماء التمرّد إلى درجةٍ كبيرة. الريف تحت سيطرة هؤلاء ولهم فيه مصالح شخصيّة لا يستهان بها أضف إلى ذلك المبالغ التي يتلقّونها من الخارج (٤) ويدفعون قسماً منها مرتّباتٍ لعصاباتهم بينما يودعون حصّة الأسد جيوبَهم. الخلاصة ليس لنا أن نعلّل أنفسنا بالأوهام وسيبقى التمرّد عصيّاً طالما تلقّى تمويلاً يغذّيه. يفسّر هذا القلاقل التي أثارها الإقطاعيّون ودعايتُهم في المقرن الشمالي الذي لم نستطع تلبية حاجته من الجنود عندما تحرّكنا صوب صلخد.
الصورة الملحقة للشيخ حسن جربوع عن صفحة هنا السويداء على الفيس.
(١) سبقت الإشارة إلى الثالث أو بالأحرى الأوّل: محمود أبو فخر.
(٢) نقلت مصطلح "القائد الأعلى" عن الفرنسيّة كما هو والإشارة طبعاً إلى الشيخ أحمد الهجري.
(٣) لا أملك النصّ العربي الأصلي ومنه اضطراري مجدّداً لتعريب ترجمته الفرنسيّة.
(٤) الإشارة بالدرجة الأولى إلى الهاشمييّن ولربّما أيضاً السعودييّن.
No comments:
Post a Comment