Friday, July 14, 2023

تعيين الكولونيل أندريا على منطقة دمشق

 


يتحدّث المؤلّف الكولونيل (عمّا قريب جنرال) Andréa عن نفسه هنا بصيغة الغائب. من المفهوم أن يجد البعض إجراءات فرنسا في أواخر عام ١٩٢٥ (الرقابة والقمع والحواجز) تعسّفيّةً وجائرة - وكانت كذلك فعلاً - ومع هذا يؤسفني هنا القول أنّها لا تزيد عسفاً وجوراً عمّا هو القاعدة في عموم البلاد العربيّة في القرن الحادي والعشرين، إن لم نقل أنّها "معتدلة" بالمقارنة.  


عُيِّن الكولونيل أندريا قائداً على إقليم دمشق التي جاء إليها مع الإمدادات العسكريّة ليعزّز الحواجز ليلاً بدوريّاتٍ من الشرطة والدرك أُوكِلت إليها مهمّة تفقّد الأحياء المشبوهة وتوقيف أي إنسان يخالف حظر التجوّل بعد الساعة التاسعة مساءً. 


نُظِم الدفاع عن المدينة إذاً ليحول دون أي محاولة للتمرّد والشغب ومع ذلك تعيّن فعل المزيد والذهاب إلى مصدر العلّة لمراقبة الدعاية المتطرّفة وهذه مسألةٌ في غاية الحساسيّة نظراً لاحتمال تورّط بعض الشخصيّات المتنفّذة ومنه وجوب التصرّف بحكمةٍ ولباقة. قام مفوّض الشرطة الفرنسيّة الذي عُيِّن في دمشق - والخبير في رصد تصرّفات وتحرّكات الدمشقييّن - منذ عدّة سنوات بفتح ملفّات (أضابير أو دوسيهات) تساعد على فهم دسائسهم واستُدعيَ أكثرهم تورّطاً من قِبَل الكولونيل الحاكم (أي Andréa عينه) الذي نصحهم بالتعقّل والتخفيف من غلوائهم. أُخطِرَ الصحافيّون أيضاً بأنّ نشرهم مقالاتٍ داعيةٍ للفتنة قد يؤدّي إلى حظر جرائدهم لفترةٍ تطول أو تقصر حسب الوضع. نُصِحَ المحرّرون أن يرفعوا كتاباتهم للمكتب العسكري للصحافة قبل نشرها حيث سيُستقبَلون بالترحاب ويستطيعون الحصول على معلوماتٍ دقيقةٍ للغاية عن آخر الأخبار والأحداث (١). للأمانة تميّز جميعهم بحسن النيّة وامتنعت جرائد دمشق بعد هذا اللقاء الأوّل مع الحاكم عن نشر أي مقال قد يؤدّي إلى الفتنة. 


تعيّن علينا - علاوةً على الصحافة والشخصيّات التي تفعل في الخفاء - أن نتعامل مع صنفٍ من الناس الأصعب مراساً والأكثر مقاومةً لمحاولاتنا في إقناعهم من عتاة المحرّضين ممّن يلقون الخطب الحماسيّة على جماهير الأحياء الشعبيّة وينتقدون قرارات المندوب السامي الفرنسي ويشوّهون سمعة الموظّفين السورييّن الذين يتلقّون النصح من موفدينا. هؤلاء هم أصل البلاء وأكثر الناس خطراً نظراً لتأثيرهم المباشر على الشعب الذي يؤجّجون فيه التعصّب والتشنّج. التفاهم مع هؤلاء متعذّر كونهم يتلقّون مبالغَ دسمةً لتحقيق مهمّتهم الدنيئة. لن يفيدنا استدعائهم ومحاولة إعادتهم إلى جادّة الصواب في شيء ومع ذلك تعيّن علينا أن نكفّ أيديهم عن الأذى بطريقةٍ ما.


المدينة إذاً تعيش حالةَ طوارىء ويمكن اعتبار الأشخاص المذكورين خطراً يهدّد النظام والأمن العامّ. بناءً عليه تلقّى مفوّض الشرطة أمراً بإيقافهم وإيداعهم ليس السجن، بل بالأحرى الإقامة الجبريّة في دارٍ فاخرة ومريحة حُجِزَت خصّيصاً لهذا الغرض حيث يتمتّعون بملء حرّيّتهم في استقبال عائلاتهم وأصدقائهم وإن مُنِعوا من الخروج إلى المدينة. الهدف باختصار إبعادهم عن الجماهير التي اضطربَ فِكْرُها وسَهُلَ بالتالي تضليلها والتغرير بها . 


أخيراً حافظنا على اتّصال وثيق مع رؤوس العائلات الدمشقيّة الكبيرة وكبار الموظّفين من أهل البلاد بفضل السيّد Pierre Alype، مبعوث المندوب السامي الذي حاز - بفضل كياسته وفهمه العميق للعالم العربي الذي أشعلته الدعاية الشريفيّة إلى درجة التأجّج - على ثقة الشخصيّات المرموقة ممّا ساهم في تهدئة النفوس في أعلى مستويات الأوساط الإسلاميّة.   






عنوان الصورة الملحقة: "الشاغور مدخل الحيّ اليهودي". توخيّاً للدقّة ما نراه هو النهاية الشرقيّة لحيّ مئذنة الشحم ويظهر فيه جنود فرنسا وراء الأسلاك الشائكة لحماية حارة اليهود أسوةً بالأحياء المسيحيّة في القصّاع وباب توما.  




(١) بعبارة ثانية خضع الصحفيّون للرقابة ولكن للإنصاف ومن معرفتي المتواضعة لإحدى الدوريّات العربيّة في أواخر عهد الانتداب كانت الرقابة علنيّة إذ نوّه المحرّر سلفاً للقرّاء أنّ الفقرة الفلانيّة أو الصورة الفلانيّة من مقاله حُذِفَت من قبل الرقابة.









Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

No comments:

Post a Comment