Tuesday, July 18, 2023

فرنسا تدافع عن دمشق

 


حَمَلَةُ المدافع الرشّاشة المكلّفين بحراسة شبكة الأسلاك الشائكة فرنسيّون أُتِيَ بهم من الوطن الأمّ إلى سوريّا بُعَيْدَ أحداث جبل الدروز وأعمال الشغب في دمشق عندما كان هناك ما يدعو للتخوّف من انتفاضة عامّة. هؤلاء الجنود شبّان لا خبرة لهم بالحرب افتتنوا بهذا البلد الجديد. تمّ توزيعهم في مجموعاتٍ في البيوت المتواجدة على زوايا الشبكة ومن الممكن القول أنّهم عاشوا فيها كأسرة يستسلمون للراحة نهاراً ويسهرون ليلاً.   

وُزِّعَت المراكز حسب تضاريس الأرض ونُظِمَت المسافة بينها بحيث تتقاطع نيران المدافع الرشّاشة أمام الأسلاك الشائكة وقربها إلى أقصى حدّ ممكن ممّا يجعل اختراقها متعذّراً. من الممكن أن يتسلّل بعض الأفراد في ظلام الليل الحالك ليقومو بقصّ الأسلاك والدخول عبر الفجوة المستحدثة إلى المدينة كما حصل عدّة مرّات بيد أنّ دخول أي جماعة ذات بال لم يحصل إذ طَرَدَتْهُم رشقات المدافع الرشّاشة التي أُطلِقَت بمجرّد سماع أدنى ضجّة. 


تفنّن خيال جنودنا الشباب في استنباط الوسائل والحيل لتحرّي اقتراب المتمرّدين من الأسلاك الشائكة. هناك ممّا تفتّقت عنه أذهان البعض منهم ما هو مسلٍّ أو حتّى هزلي وعلى سبيل المثال جهاز يتحكّم في جرس يرنّ داخل المركز فور أن يمسّ أحدهم أسلاك الحديد؛ لدينا أيضاً الاستعمال الأكثر شيوعاً لحاويات الأطعمة المعلّبة الفارغة التي تُعَلَّق على الأسلاك فتصطدم بعضها مع البعض الآخر لدى أدنى جذب أو ضغط على الشبكة وهلمّجرّا. سواءً أتت الجَلَبَة من رنين الجرس أو قعقعة العلب الخاوية فالنتيجة واحدة: يحتكم الجنود على التوّ إلى رشّاشاتهم ويبتعد العصاة فراراً من رشقاتها.   


كثيراً ما تطول موسيقى الأسلحة الأتوماتيكيّة أكثر ممّا يتطلّب الوضع رغم توصية القيادة بعدم تبديد الذخائر. عكّر هذا العزف المثير للأعصاب نوم الجوار ولكنّهم تعايشوا معه مدركين أنّه يوفّر لهم الأمن والطمأنينة. 


استعادت دمشق بسرعة في مطلع العام ١٩٢٦ الهيئة التي اعتادت عليها في أيّام السلم وذلك بفضل النطاق المزدوج حولها من الحديد والنار. فتحت الأسواق والحوانيت أبوابها من جديد ومُورِسَت التجارة كما في الأيّام الخوالي وأصبح التنقّل طبيعيّاً وعادت الثقة إلى نفوس الأهالي.


لم يخفِ معظم الدمشقييّن سرورهم. منهم من كان متحفّظاً تجاهنا في بداية القلاقل إذ تشكّكو في قدرتنا على السيطرة على الوضع أمّا اليوم فتعبّر أبرز شخصيّات المدينة عن ثقتها بنا وفي موقفهم هذا دليل دامغٌ على التحسّن الذي طرأ على نفسيّتهم وطمأنةٌ للسلطات المسؤولة عن أمن هذه المدينة التي يحيا ثلاثمائة ألف إنسان في ربوعها.











Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

Photos: Luigi Stironi

No comments:

Post a Comment