رأينا كيف نجح الفرنسيّون في فكّ الحصار عن حاميتهم في السويداء في خريف عام ١٩٢٥ وتعرّضنا بالتفصيل للأسباب التي ردعتهم عن مواصلة العمليّات في الجبل وقتها (مشاكل الإمداد والتموين وصعوبة المناورة في فصل الشتاء). انسحبت قوّات الانتداب إذاً بعد انتصار Gamelin في المسيفرة وشَغَلَهم تمرّد دمشق إلى حين قبل استئناف الحرب في إقليم الدروز في ربيع ١٩٢٦.
خصّص الجنرال Andréa الصفحات ١٠٤ - ١٢٢ من كتابه (الفصل السابع) لمعركة السويداء ولنا بالطبع أن نتوقّع من رجل عسكري بالمهنة أن يركّز على تفاصيل الاشتباكات بيد أنّ هذه الأخيرة قليلة الأهميّة من الناحية التاريخيّة خصوصاً مع عدم وجود أدنى شكّ في النتيجة: ثورة (أو عصيان) الدروز مثالٌ صارخٌ على الحرب اللامتناظرة التي سَبَقَت الإشارة إليها والتفاوت الكبير بين إمكانيّات الطرفين حَسَمَ الموضوع منذ البداية.
أقتصر إذاً على اختصار هذا الفصل في أربع منشورات لشرح خطّة المعركة نقلاً عن المؤلّف (وهي على أقلّ تقدير تذكرةٌ قد يستفيد منها البعض بطبوغرافيا جبل الدروز) أنتقل بعدها فوراً إلى العواقب. تبيّن النقاط الحمراء على الخريطة الملحقة مسار الرتل الرئيس باتّجاه السويداء (النقطة الزرقاء) بدايةً من إزرع. انطلق الرتل الخفيف من النقطة الصفراء في بصرى ومساره سيكون موضوع المنشور المقبل.
اعتمدت خطّة مهاجمة السويداء إذاً على رتلين: انطلق الرتل الأوّل أو الرئيس من إزرع شرقاً باتّجاه عاصمة الإقليم بينما أمّ الرتل الثاني أو الخفيف السويداء قادماً من بصرى باتّجاه الشمال. نبدأ اليوم بالرتل الأوّل وأترك قصّة تحرّكه للجنرال الفرنسي:
أُنْجِزَ تركيز قوّاتنا في إزرع وبصرى في التاسع عشر من نيسان أبريل عام ١٩٢٦ وحدّدنا الهجوم على السويداء في الخامس والعشرين منه.
غادر الرتل الرئيس معسكر إزرع في الثاني والعشرين من نيسان وخيّم الفرسان والمدفعيّة والرَكْب المرافق في نهاية اليوم في خربة غزالة حيث تواجد الماء اللازم للحيوانات العديدة أمّا المشاة فقد عسكروا في الغارية الشرقيّة على بعد أربع كيلومترات إلى الأمام.
استأنف الرتل مسيرته في الثالث والعشرين من نيسان وتوقّف الجنود ظهراً في المسيفرة حيث أبلى الفيلق الأجنبي البلاء الحَسَن في أيلول الماضي.
تحرّك الرتل مجدّداً بعد وقفةٍ دامت ساعةً من الزمن في هذا المكان التاريخي ثمّ توقّف مجدّداً قبيل المغرب في أمّ ولد وهي آخر قرية في حوران من هذا الجانب إذ يبدأ إقليم الدروز بعدها على بعد بضعة كيلومترات إلى الشرق. كثيراً ما تعرّض سكّان هذه القرية لغارات لصوصٍ من الدروز أمّا اليوم فهاهم متجمّعون أمام بيوتهم يحملون الأعلام البيضاء في أيديهم.
ليست المسافة بين هذا المكان إلى سفح تلّ الحديد بالطويلة. نُصٍبَ المعسكر في هذا التلّ في نفس الموقع الذي خيّم فيه رتل الجنرال Gamelin في العام الفائت. سِرْنا حتّى الآن لمدّة يومين وها نحن الآن على بعد ثمانية كيلومترات من العاصمة (السويداء) ولم نصادف درزيّاً واحداً. تغيّر هذا عندما احتللنا قمّة التلّ التي ميّزنا منها آلافاً من المحاربين الرافعينَ رايات القتال والآتين من كافّة أرجاء الجبل إلى السويداء.
بقي أن نتعرّض للرتل الثاني أو الخفيف.
No comments:
Post a Comment