Sunday, July 16, 2023

دمشق بين التنظيم العمراني والاعتبارات الأمنيّة

 


رأينا في منشور الأمس كيف رأى الجنرال Andréa في تنظيم دمشق العمراني وسيلةً تسهّل مهمّة الدفاع عن المدينة ضدّ الثوّار (أو المتمرّدين كما أسماهم) في الغوطة. ليس تنظيم النسيج العمراني والبنية التحتيّة لأهدافٍ عسكريّةٍ بالجديد وأقتصر على مثالين كلاهما من ألمانيا: السكك الحديديّة قبل الحرب العالميّة الأولى والطرق المحلّقة autobahn (يقابلها بالإنجليزيّة highway وبالفرنسيّة الطرق المحيطيّة périphérique) قبل الحرب العالميّة الثانية. هدف القيادات الألمانيّة الرئيس في الحالتين وباختصار شديد نقل الجيوش بأسرع ما يمكن من الجبهة الشرقيّة (روسيا) إلى الغربيّة (فرنسا) سواءً بالقطار أم العربات والمدرّعات. 


يمكن من هذا المنطلق النظر إلى شارع بغداد في دمشق كمشروع عسكري إلى حدّ ما وأحد بنات أفكار الانتداب الفرنسي الرامية إلى عزل المدينة عن الغوطة. أستأنف بعد هذه المقدّمة التعريب عن المؤلّف الفرنسي:


استدعى الحاكم العسكري (أي Andréa) محافظ دمشق (١) ومستشاريّ البلديّة وطلب منهم تنفيذ مشروعهم الهادف إلى تجميل المدينة. 


أفاد المحافظ أنّ هذا غير ممكن نظراً لأنّ خزينة البلديّة فارغة تماماً كما كانت عندما طُرِحَ المشروع.


نوّه الحاكم ردّاًَ على ذلك بوجود آلاف الرجال العاطلين عن العمل في دمشق وأنّ تركهم في البطالة ليس بالأمر المحمود عندما يكون بالإمكان تشغيلهم في عمل يحّسن المدينة لفائدة أهلها أجمعين. اقترح الكولونيل Andréa أن تجنّد البلديّة ألفاً وخمسمائة عامل تطعمهم وتضعهم تحت تصرّف السلطات الفرنسيّة التي ستتكفّل بشقّ الشوارع. 


اعترض المحافظ مجدّداً أنّه يتعيّن قبل أي شيء التفاهم مع ملّاك الأراضي التي ستمّر فوقها هذه الطرقات وأنّ هذا يتطلّب وقتاً (٢).   


أجاب Andréa أنّ هذه المسألة ليست بالجوهريّة ويمكن تسويتها لاحقاً أمّا اليوم فتقتضي المصلحة العليا (٣) أن يبدأ العمل على التوّ دون أدنى تأخير. 


أراد مستشاروّ البلديّة (ومعظمهم من ذوي الميول المتطرّفة) تأجيل مشروعٍ لم يرو من ورائه فائدةً تُرْجى أمّا من ناحيتنا وللأسباب التي نعرفها، فقد أردنا أن يبدأ التنفيذ حالاً. انتهى الأمر بالبلديّة إلى تبنّي وجهة نظرنا بعد مناقشة بعض النقاط الثانوية وتمّ قبول مبدأ تجنيد العمّال المطلوبين وإطعامهم. 


تجمّع ألف وخمسمائة من العمّال المحلييّن حول مبنى البلديّة ؟! (mairie) في الحادي عشر من كانون أوّل ديسمبر (١٩٢٥) وتمّ توجيههم إلى الورشات وبدأ شقّ الشوارع تحت حماية كتيبتين من الجزائرييّن المسلّحين بالبنادق والموكلين بإبعاد العصابات فيما إذا حاولت عرقلة الأعمال.     


يتبع. 




تعود الخريطة لعام ١٩١٢. 







(١)  اخترت مصطلح "محافظ" لتعريب maire وقد يرى البعض أنّ التسمية الأصحّ "عمدة".  

(٢) لا أعلم كيف "تفاهمت" السلطات المحليّة والفرنسيّة مع الملّاك وما إذا تمّ التعويض عليهم وهل كان التعويض منصفاً. ما أعرفه يقيناً أنّ حكومات سوريّا المستقلّة لم تتورّع يوماً عن استملاك العقارات بأثمان بخسة تقدّرها هي وفي سبيل تنفيذ مشاريع لم تكن دوماً على المستوى المطلوب نفعيّاً أو جماليّاً. 

(٣)  أي إخماد التمرّد - الثورة وضمان أمن دمشق.










Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

No comments:

Post a Comment