Wednesday, July 12, 2023

أهالي دمشق عام ١٩٢٥ (تتمّة)

 


انتشار الصحافة الدمشقيّة محدود وعدد النسخ المبيعة من الدوريّات قليل. جرت العادة أن يقرأ أحد المثقّفين محتويات الجريدة ويعلّق عليها في حضور جَمْعٍٍ من المستمعين. تنتقل المقالات إذاً بين الناس بشكل عمودي وتبقى الصحافة مع ذلك من الأهميّة بمكان خصوصاً وأنّ أثر دمشق في العالم الإسلامي يمتدّ إلى أقاصي الهند وحتّى إلى السودان.

بلديّة المدينة وطنيّة الهوى بما لا يدع مجالاً للالتباس ولا مبالغة في وصفها بالمتطرّفة إذ هي تمثّل حزب الشعب الذي نظمه الدكتور الشهبندر من عناصرٍ قوامها مفكّريّ الشبيبة. يجذب هذا الحزب إليه الناقمين وينضوي تحت لوائه جميع الطامحين إلى الاستقلال التامّ والشامل. أدرك زعماء حزب الشعب أهميّة الدعم الذي يمكن لعصيان الدروز تقديمه لقضيّتهم ومنه تحالفهم مع سلطان الأطرش.


الفوارق في الطبائع والدين والعِرْق عميقةٌ بين زعماء دمشق الوطنييّن من جهة ومشايخ الدروز من جهةٍ ثانية وإن اتّفقت الفئتان على التصدّي لأفكار الغرب الديمقراطيّة التي اتّهمونا بتصديرها إلى بلادهم على حساب القيم القديمة وفوائدها الماديّة والأخلاقيّة. 


كثيرةٌ هي العائلات الغنيّة المؤيّدة للانتداب الفرنسي التي لجأت إلى بيروت وحتّى إلى مصر فراراً من الفوضى وشغب الغوغاء. أدّى هذا إلى إخلاء الساحة للمتطرّفين بينما كان من الممكن دفع الجماهير إلى مزيدٍ من الاعتدال لو بقي الأثرياء في المدينة ومنهم من يتمتّع باحترامٍ الناس ويملكون عليهم نفوذاً. مع ذلك يتعيّن علينا ألّا نلومهم أكثر ممّا ينبغي حيث أنّنا لم ندعم دائماً زعماء العائلات الكبرى التي أعطت براهيناً دامغةً على تعلّقها بفرنسا لدى حلولنا في سوريّا. 


هكذا باختصار كانت حالة النفوس في دمشق في بداية كانون أوّل ديسمبر عام ١٩٢٥. للتذكرة بدأ التمرّد في تشرين أوّل أكتوبر الماضي إلى أن تمّ إخماده بقصف الشاغور وإن بقي كامناً تحت الرماد في المدينة والريف المجاور. إلى الآن اقتصر قمع تحرّكات عصابات الغوطة على قصف جويّ اشتكى القرويّون أنّه يلحق بهم من الأضرار أكثر ممّا يلحقه بالعصاة. 


لم يكن بإمكاننا أن نفعل أكثر من ذلك وقتها نظراً لعدم كفاية الحامية للمهامّ المطلوبة أمّا اليوم وقد تمّ تعزيزها فيتعيّن علينا أن نتصرّف بحزمٍ وشدّةٍ كي نعيد المسلمين إلى الصراط المستقيم ونحول دون امتداد العصيان إلى سائر الأقاليم.











Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 


No comments:

Post a Comment