تختلط الاعتبارات الطبيعيّة والجماليّة والعسكريّة في الوصف الآتي للجنرال Andréa لغوطة دمشق كما كانت قبل مائة عام وهي بالطبع لا تمتّ بصلة لما يسمّى اليوم تجاوزاً، لغياب تسميةٍ بديلة، بالغوطة.
تطوّق الواحة الشهيرة المدعوّة "الغوطة" مدينة دمشق. تضفي مياه نهر بردى على هذه الواحة خصوبةً لا يمكن تصوّرها إذا لا نرى على امتداد يتراوح بين عشرة إلى خمسة عشر كيلومتراً إلّا البساتين والجنان حيث تنبت الأشجار الأكثر تنوّعاً والأزهار والخضار بأصنافها. يغلب المشمش بين هذه الأشجار ومساهمته في غنى الحلويّات الدمشقيّة مشهورةٌ تجاوز صيتها المشرق (١) ليصل إلى مصر.
تتخلّل هذه البساتين دور فخمة يقطنها أبناء المدينة الأثرياء في فصل الصيف وتجمّعات سكنية تتفاوت أهميّتها يسكنها القرويّون الذين يفلحون هذه الأرض المتناهية الخصوبة. تنساب مياه صافية غزيرة في أقنيةٍ في كلّ الاتّجاهات حاملةً معها الحياة عبر جنّة عدن هذه التي حبتها الطبيعة بنباتاتٍ من الكثافة إلى درجة أنّها تحجب البصر بعد بضعة عشرات من الأمتار. يترتّب على ذلك صعوبة قيادة الجنود في هذه الآجام وتعذّر النفوذ إلى بعضها. التوجّه في الغوطة دون بوصلة مستحيل ولا يوجد فيها أي نقاط علّام ممّا يجعل منها وكراً مثاليّاً لقطّاع الطرق.
ينتهي أكثر من ثلاثمائة طريق وزقاق من دمشق إلى تخوم الغوطة ومن هنا الصعوبات التي واجهت محاولاتنا في منع العصابات التي تمارس الضغط على الفلّاحين وتهدّد أمن سكّان المدينة من التسلّل إليها.
(١) المقصود بالمشرق Levant آسيا الغربيّة المطلّة على البحر المتوسّط خصوصاً سوريّا ولبنان.
التقطت الصورة الملحقة حوالي عام ١٨٩٠ وهي عن Library of Congress.
No comments:
Post a Comment