Friday, July 21, 2023

عسكر فرنسا المحلّيّون

 


كانت فرنسا بين الحربين العالميّتين إمبراطوريّة مترامية الأطراف من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - الحفاظ عليها وحراستها بالجنود الفرنسييّن فقط (انطبق الشيء نفسه على إنجلترا). بالطبع بإمكان فرنسا إذا اقتضى الأمر إعلان التعبئة العامّة وتجنيد الملايين من الرجال كما فعلت خلال الحرب العالميّة الأولى التي خسرت فيها مليوناً وأربعمائة ألف قتيل (أضف إليهم أربعة ملايين ومئتيّ ألف جريح أي باختصار لم يخل بيت فرنسيّ من الأيتام والثكالى والأرامل ومشوّهي الحرب) ولكن الحروب المصيريّة بين القوى العظمى حالة خاصّة أمّا في المستعمرات فالمبدأ المتّبع هو إسناد القيادات إلى الفرنسييّن والاعتماد على الجنود المحلييّن على مبدأ "من دهنو سقّيلو". من الممكن أن يكون الجنود من نفس البلد المحتلّة (أو المُنتَدَب عليها إذا شئنا) وهنا يا حبّذا أن يكونوا من الأقليّات (جيش المشرق) كالشركس والأرمن (من المفهوم أن يعترف الأرمن بجميل فرنسا التي سهّلت لهم الدخول إلى سوريّا فراراً من المجازر في آسيا الصغرى) والعلوييّن وحتّى الدروز! يمكن أيضاً اللجوء إلى سائر المستعمرات (الجزائرييّن والمغاربة والسنغال وغيرهم). 


أستأنف بعد هذه المقدّمة التعريب عن الجنرال Andréa:


الشركس عموماً تحت قيادة الكاپتن Collet الذي يتمتّع بسمعةٍ أسطوريّة في سوريّا بفضل شجاعته الشخصيّة الرائعة ودرايته بعلم حرب العصابات ومعرفته العميقة بلغة أهل البلاد. يعيش Collet بين جنوده ،الذين يحبّونه إلى درجة العبادة، وتحت نفس الظروف التي يحْيَونَها وتجده دائماً في الأماكن الخطرة يحمّس رجاله ويشدّد عزائمهم بالمثال الذي يضربه لهم بنفسه. كبّد هذا الضابط مع وحداته المتمرّدين خسائرَ جسيمةً خلال الغارات التي شنّوها. صحيح أنّ الشركس أيضاً تلقّوا ضرباتٍ قاسيةً بين الحين والآخر، بيد أنّ سمعة رئيسهم كانت إلى درجةٍ شجّعت الانخراط تحت قيادته وعوّضت عن الخسائر والتسريحات. يجدر هنا الذكر أنّ الكاپتن سرّح دون رحمةٍ كلّ من تردّد وقت المعركة. شكّل الشركس وحدات نخبة ينبغي الحكم عليها من منظور النتائج التي حقّقتها دون محاولة تحليل الأساليب التي استعملتها والتي لا تخرج عن كونها ردّ فعل لما مارسه عدّوٌ قاسٍ متوحّشٍ لا يعرف الرأفةَ والشفقة.   


بقي هذا النظام المؤلَّف من المراكز الثابتة والأرتال المتحرّكة التي تربط المراكز مع بعضها مُعْتَمَداً طيلةَ شتاء ١٩٢٥ - ١٩٢٦. طُورِدَت العصابات وشُتِّتَت وأُضعِفَت ولكنّها لم تُدَمّر بالكامل. مع ذلك تحسّن الوضع في الغوطة إلى درجةٍ كبيرة مع حلول نيسان أبريل ١٩٢٦، عشيّة استئناف العمليات الناشطة في جبل الدروز، والفضل في هذا الإنجاز عائدٌ إلى حملة الشتاء ما في ذلك من شكّ. 


أحد الأدلّة:

استطاع المندوب السامي السيد de Jouvenel أن يأتي دمشق قادماً من بيروت بالسيّارة بعد أن انقطع السير لمدّة ثلاثة أشهر بسبب العصابات. زار de Jouvenel المدينة للمرّة الأولى وتنقّل في الأحياء التي اقتضى الحذر تجنّبها إلى أمدٍ قريب ثمّ عاد إلى بيروت متّخذاً نفس الطريق دون أدنى حادث أو إشكال.


صحيح أنّ إقليم دمشق في ربيع ١٩٢٦ لم يكن تحت السيطرة بالكامل ولكنّه على الأقلّ كان أكثر هدوءاً بكثير من العام الفائت. الحياة الآن في المدينة طبيعيّة أمّا في الريف فلم تكن الأمور على هذه الدرجة من الاستقرار خصوصاً مع انخراط الدروز الآتين من الجبل في صفوف عصابات دمشق. مع ذلك لن يلبث الربيع أن يأتي ومعه احتمال استئناف العمليّات العسكريّة في الجبل ولا ريب أنّ دروز الغوطة سيعودون آنذاك إلى بلدهم بمجرّد أن يروا أرتالنا متّجهةً صَوْبَهُ وآنذاك ستعرف بساتين دمشق مزيداً من الطمأنينة والسلام.





تعود الصورة الملحقة للوحدات الشركسيّة إلى منتصف ثلاثينات القرن الماضي. 








Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

No comments:

Post a Comment