رأينا في منشور الأمس كيف أعّدت فرنسا عشرة آلافٍ من جنودها (بالأحرى جنود مستعمراتها) المزوّدين بالمدافع والعربات والرشّاشات والدبّابات وحتّى الطائرات لمواجهة سبعة آلاف درزي من ذوي الأسلحة الفرديّة. الأرقام للجنرال Andréa بالطبع الذي يخبرنا الآن عن خطّة الدروز ونقاط قّوتهم ونقاط ضعفهم:
اعتمد سلطان الأطرش الدفاع لمواجهة عودة أرتالنا إلى الجبل. تخالف هذه الخطّة عادات هذا الشعب المحارب المعتاد على الهجوم ومع ذلك فلها ما يبرّرها نظراً لتفاوت تسليح الطرفين والميّزات الدفاعيّة التي لا يمكن إنكارها للمواقع التي اختارها.
الدروز قنّاصون غاية في المهارة ومن الأهميّة بمكان أن يدرك جنودنا هذا إذ يتأهّبون للعمليّات الجديدة المزمعة ليتّخذوا كافّة الاحتياطات الهادفة إلى حرمان العدوّ من أهدافٍ واضحةٍ أكثر ممّا ينبغي. الطريقة التي يستعمل فيها الدروز تضاريس الأرض مثيرةٌ للإعجاب. يرتدي المقاتل قميصاً أسود ويعتمر عمامةً من نفس اللون ممّا يجعل تمييزه عن الصخور والحجارة السوداء المنتشرة في أرجاء الإقليم عسيراً للغاية. الدرزي متمرّس بالاستلقاء على الأرض والجمود في مكانه بمجرّد أن تحلّق طائرةٌ فوقَه وهكذا يصادف مراقبونا صعوباتٍ جمّةً في رؤيته. الدرزي ثاقب النظر يميّز حركة أصغر وحداتنا عن بُعْد ويدرك بمنتهى السرعة مَوَاطن ضعف خصمه ويعرف كيف يستفيد منها.
بشكل عامّ الدروز لا يهاجمون ليلاً ودائماً يتوقّفون عن القتال بمجرّد حلول الظلام للأكل أو الراحة في القرى المجاورة. لا يملك الدروز - على عكسنا - قوافلَ تأتي إليهم بالمؤن والذخائر ومنه اضطرارهم إلى حمل أكبر كميّة ممكنة من الطلقات أمّا عن غذائهم فحسب أحدهم رغيفٌ من الشعير لليوم بأكمَلِه. يتمتّع الدروز بالمرونةِ في حركتهم إلى أقصى الحدود وبالتالي لا تستطيع مجموعات قوّاتنا الثقيلة مطاردتهم والنيل منهم.
بسالة الدرزي في وطيس المعركة غنيّةٌ عن التعريف بيد أنّ التصميم ليس من فضائله إذ يخلي الساحة بمجرّد أن يتعرّض للهجوم العنيف ولكنّه إذا لمس من عدوّه تردّداً أو تذبذباً أو تراجعاً، يستدير ويعيد الكرّ ويهاجم بشدّةٍ وهنا يكمن الخطر الداهم تماماً كما حدث في معركة المزرعة عندما تملّك الذعر بعض عناصرنا ممّا أدّى عمليّاً إلى إبادة قوّاتنا عن بكرة أبيها. أكثر ما يخشاه الدروز أن يلتفّ غريمهم حولهم ومنه انسحابهم على الفور إذا هدّدت مناورات الخصم أجنحةَ قوّاتهم.
عدوّنا إذاً يتمتّع بمرونة الحركة ويتشتّت عندما يتحقّق من عجزه ولا يُظْهِر نَفْسَه هدفاً واضحاً نستطيع مهاجمته حسب قواعد الحرب المألوفة. يتعيّن أخذ هذه العوامل بعين الاعتبار ومنه حاجة أرتالنا إلى التخطيط لأهدافٍ جغرافيّةٍ محدودة في عمليّاتها المقبلة.
عنوان الصورة الملحقة: "دروز من نواحي دمشق" والمصدر الكتاب أدناه (عام ١٨٧٣).
No comments:
Post a Comment