Sunday, July 9, 2023

دمشق في منتصف العقد الثالث من القرن العشرين


هناك أكثر من خطأ فيما كتبه الجنرال Andréa عن دمشق وأترك التصحيح كالعادة للحواشي أدناه. الرجل معذور قهو بالنتيجة عسكري وليس أخصّائيّاً بالتاريخ أو الآثار. 

ليس من السهل على من لم ير دمشق في حياته أن يدرك أهميّتها كعاصمة الأموييّن قديماً وإحدى مدن الإسلام المقدّسة. دمشق، أكبر وأجمل المدن السوريّة، تَجَمّعٌ من ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة. تستند المدينة على سفوح قاسيون الشديدة الانحدار وتمتدّ إلى جنوبه على طول يتجاوز العشرة كيلومترات بين الغابات والبساتين الكثيفة التي تحتضنها وتضغطها من كلّ حدبٍ وصوب. 


تدين دمشق برخائها وازدهارها إلى موقعها على عتبة الصحراء مباشرةً ممّا يجعلها مركزاً لتوزيع منتجات إيران والهند ومعبراً لا غنى عنه للقوافل الآتية من بغداد. دمشق إذاً - بفضل هذا الموقع - إحدى أهمّ المدن التجاريّة في المشرق.   


يخترق شارع مستقيم المدينة من الشرق إلى الغرب ويقال أنّ عرضه قديماً بلغ ثلاثين متراً وأنّه ازدهى بصفّين من الأعمدة القورنثيّة التي قسمته إلى ثلاثة شوارع بلغ طولها عدّة كيلومترات (١). لم يبق اليوم أثر من روائع الماضي هذه وإن وجب التنويه بجامع بني أميّة البديع الذي شيّد في المكان الذي احتلّه معبد وثنيّ في الماضي الغابر. يقال أنّ إحدى مآذن (٢) هذا الجامع هي الأقدم في العالم. هناك إلى جانب الجامع، تربةٌ مزخرفةٌ بالخزف الجميل فيها ضريح السلطان صلاح الدين فاتح القدس وقاهر ريكاردوس قلب الأسد (٣). عُرِفَ عن صلاح الدين بسالته وكرمه وشمائله الفروسيّة. 


لدينا في قصر العظم مثال آخر يعطينا فكرةً عن ترف الأوابد العربيّة من الداخل. بُنِيَ هذا القصر قبل عدّة قرون (٤) بردهاته المكسوّة بالكامل بالخشب المطلي ورخامه الذي تتدّرج ألوانه بما يخلب الألباب. 


تتخلّل شوارع عريضة جيّدة التهوية مركز المدينة (٥) وإذا استثنيناه، فأنّى نظرت لن تَرَ إلّا دوراً متنافرةً يتكدّس بعضها فوق البعض الآخر حولَ أزقّة ضيّقة ومتعرّجة تزدحم فيها من الصباح إلى المساء جموعٌ من الرجال والنساء من أهالي المدينة وأبناء الريف يساومون على مشترياتهم الزهيدة ساعاتٍ على التوالي في الأسواق وبين الحوانيت. تُغلَق هذه الأسواق وتلك المتاجر عندما يحلّ الظلام ويعود الناس إلى بيوتهم لتصبح الشوارع التي كانت منذ هنيهةٍ تعجّ بالحياة، مهجورةً إلى درجة أنّ بعضها لا يبدوا آمناً لعابريّ السبيل المتأخّرين. 


يتبع.     





الصورة لمدينة دمشق من جبل قاسيون عام ١٩١٨ عن Technische Universität Dresden.




(١) بلغ عرض الشارع المستقيم في العهد الروماني ٢٦ متراً أمّا طوله فحوالي كيلومتر ونصف. 

(٢) الإشارة إلى المئذنة الشماليّة أو مئذنة العروس. 

(٣) لم يهزم صلاح الدين قلب الأسد بل العكس هو الصحيح بيد أنّ ملك إنجلترا لم يملك من الموارد ما يكفي لاسترداد القدس. 

(٤) بُنِيَ قصر العظم في منتصف القرن الثامن عشر أي قبل أقلّ من مائتيّ سنة من كتاب المؤلّف الفرنسي. 

(٥) ساحة المرجة طبعاً.









Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

Stefan Weber.  Damascus: Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808–1918, Proceedings of the Danish Institute of Damascus V 2009. 


No comments:

Post a Comment