واصل الرتل الفرسي زحفه نحو العاصمة الدرزيّة فجر الرابع والعشرين من أيلول سبتمبر عام ١٩٢٥ بينما انسحب الدروز شرقاً إلى الجبل على جناح السرعة وهكذا دخل الجنرال Gamelin ومن ثمّ أركان حربه السويداء التي هجرها سكّانها بأسرهم.
تمّ أخيراً فكّ الطوق عن الحامية الفرنسيّة وكانت الفرحة عظيمةً وسالت دموع البهجة على وجوه الكثيرين.
دام تطويق الحامية ٦٣ يوماً (١) بالتمام والكمال هلك خلالها ثلاثون رجلاً إمّا من المرض أو من الجراح التي أصيبوا بها في الخنادق حول القلعة. هيئة ما تبقّى من الحيوانات على قيد الحياة بائسة إذ اقتصرت تغذيتها إبّان الحصار على خمسمائة غرام من الشعير ونزر يسير من الألياف النباتيّة التي انتزعت من الفرش.
تحمّلت فرنسيّتان من أزواج الضبّاط هذا الأسر الطويل بمنتهى الشجاعة وكان من الطبيعي أن تتفرّغا إلى رعاية المرضى بالأسلوب الذي لا يعرفه إلّا المرأة. أضف إلى ذلك أنّ وجودهما أعطى لمسةً من البهجة في الحصن المحاصَر ولم يبد عليهما أثر للقلق ولم تهن عزيمتهما حتّى في أكثر الأيّام قتاماً.
تجمّع الآن سبعة آلاف رجل وثلاثة آلاف من الحيوانات حول العاصمة الدرزيّة الخالية من أهلها. قام المتمرّدون أثناء انسحابهم بقطع قناة الماء عن السويداء وإفراغ خزّاناتها وفعلوا نفس الشيء في صهاريج القلعة.
تعيّن بالضرورة إمداد الجنود قبل ملاحقة العصاة ولم يكن بالإمكان ترك أيّ من قطعاتنا في السويداء نظراً لعدم وجود الماء واستحال التقدّم إلى الجبل في غياب المؤن.
من ناحية ثانية ليس هناك أدنى شكّ أنّ إخلاء السويداء ولو مؤقّتاً - بانتظار الإمداد والتموين - مؤذٍ لقضيّتنا من الناحية السياسيّة ومن نافل الذكر أنّ المتمرّدين سيدّعون النصر فور انسحابنا. مع ذلك لم يكن لدينا خيار آخر في غياب الماء والغذاء وهكذا تخلّى قائد الرتل مكرهاً عن المدينة التي فتحها لتوّه.
(١) اللوحة الملحقة من مجلّة أسبوعيّة تعود إل الحادي عشر من تشرين أوّل أكتوبر ١٩٢٥ وكما نرى لا يزيد عدد أيّام الحصار حسب هذا المصدر عن ٤٥ يوماً ناهيك عن الاختلاف في عدد الجنود المحاصَرين.
No comments:
Post a Comment