Saturday, July 15, 2023

دمشق قبل إيكوشار

 


سبق القول أنّني لن أعرّب كتاب "عصيان الدروز" للجنرال Andréa بالكامل (عمل سبقني إليه الأستاذ حافظ أبو مفلح بعشرات السنوات) بل مختاراتٍ منه مع تجنّب النواحي العسكريّة قدر الإمكان والتركيز على الجوانب التاريخيّة والثقافيّة والسياسيّة. أستثني من هذه القاعدة الفصل الخامس والوحيد المتعلّق بمدينة دمشق (إجمالي عدد الفصول ١٧) الذي سأنقله بالكامل إلى العربيّة على حلقات مع التعليق والتوضيح في المقدّمات والحواشي حسب اللزوم . يعود سبب هذا الاصطفاء إلى أهمّيته بالنسبة لتاريخ دمشق العمراني كما سنرى في الأيّام القليلة المقبلة بدايةً من الأسطر أدناه. 


اعتقدت حتّى أمدٍ قريب أنّ الفضل في الخطّة الأولى لتنظيم دمشق يعود إلى Écochard و Danger (١٩٣٥) والثانية Écochard و Banshoya (١٩٦٨). الواقع بخلاف ذلك كما ذكر الجنرال Andréa باختصار ودون تسمية صاحب الخطّة وهو مهندس عمارة فرنسيّ يدعى Édouard Redont استشاره الجنرال Gouraud في مشروع لتطوير حلب وغيرها. استمّد غورو إلهامه في هذا الصدد من المشير Lyautey الذي يعتبره بعض الفرنسييّن باني المغرب الحديث. 


إذاً يفترض أنّ خطّة Redont هي الأولى من نوعها ومع الأسف لم أستطع الحصول على تفاصيل عنها اللهمّ إلّا ما ذكره Andréa تلميحاً. أترك الكلمة للمؤلّف الفرنسي:


استطعنا ضمان أمن دمشق الداخلي إل درجةٍ كافية عن طريق الإجراءات والاحتياطات التي سبق ذكرها ومع ذلك بقيت المدينة معرّضةً لتعدّيات العصاة من الخارج عن طريق ثلاثمائة شارع وزقاق تنتهي في الغوطة يمكن التغلغل عبرها لإرهاب الأهالي وترويعهم. إقامة حواجز في جميع المنافذ - كما فعلنا داخل المدينة - مستحيل إذ ليس لدينا ما يكفي من الجنود لمهمّةٍ من هذا النوع ناهيك أنّ توزيع قوّاتنا سيخلق بالضرورة نقاطاً ضعيفةً تقتضي الحكمة أن نتجنّبها. 


كيف لنا - والحال كذلك - أن نمنع العصابات من الدخول إلى دمشق؟ من الطبيعي أن نفكّر باللجوء إلى شبكاتٍ من الأسلاك الشائكة كما فعلنا كثيراً إبّان الحرب (١). أفضل طريقة لحماية الأهالي من غارات المتمرّدين الذين يعيثون الفساد في الريف - وعلّها الطريقة الوحيدة الممكنة - أن نحيط المدينة بحاجزٍ من الحديد تحميه المدافع الرشّاشة. من البدهي أنّ إحاطة مدينة على هذه الدرجة من الاتّساع بنطاق من هذا النوع، عمليّة ضخمة، ومع ذلك فبالإمكان تحقيقها خصوصاً إذا استعنّا بالمدينة في تجنيد العمّال.


وضع مهندس فرنسيّ (٢) منذ ثلاث سنوات خطّةً لتوسيع وتجميل دمشق تُشَقّ بموجبها شوارع خارجيّة عريضة (٣) وتُبنى أحياءٌ جديدة بهدف تخفيف الضغط عن مركز المدينة الشديد الازدحام. بإمكان ملّاك العقارات الشوام بناء بيوتٍ تطلّ على هذه الشوارع الجديدة وهكذا يساهمون في تحسين الصحّة العامّة ويجنون في نفس الوقت منافع لا يستهان بها. لم تُنفّذ هذه الخطّة إزاء عجز خزينة البلديّة عن تمويلها.


وصل هذا المشروع إلى علم قائد الإقليم والحاكم العسكري للمدينة (أي Andréa) الذي أدرك أنّ في تحقيقه وسيلة لإحاطة دمشق بشبكة من الأسلاك الشائكة وجعلها عصيّةً على ضربات العصابات. درس الحاكم الوضع وناقش المشروع مع التقنييّن قبل أن يقرّر المباشرة بتنفيذه. 


يتبع.         







 (١) الإشارة على الأغلب إلى الحرب العظمى التي عرفت لاحقاً بالحرب العالميّة الأولى. 

 (٢) لم يذكر المؤلّف Redont بالإسم ومع ذلك لا بدّ أنّه المقصود. 

 (٣) يمكن اعتبار شقّ شارع بغداد لاحقاً نتيجةً طبيعيّةً لهذا المشروع، علاوةً على فائدته لسلطات الانتداب من الناحية الأمنيّة بعزل المدينة عن الغوطة من جهة الشمال.








Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

Carte: M. Écochard & G. Banshoya architectes. Plan directeur de Dama, rapport justificatif 1968. 

No comments:

Post a Comment