تجمّع ألف وخمسمائة من عمّال الطرقات حول مبنى الحكومة (١) في الحادي عشر من كانون أوّل ديسمبر (١٩٢٥) ومن هناك إلى الورشات الموكلة بشقّ الشوارع الذي بدأ تحت حماية كتيبتين من حملة البنادق الجزائرييّن المكلّفين بإبعاد العصابات فيما إذا راودتها الرغبة في عرقلة الأعمال.
باشر مهندس البلديّة والضبّاط من مساعديه بتحديد الشوارع الجديدة في قطع مستقيمة الخطوط تستند نهاياتها على بيوت اعتصم فيها حَمَلَةُ المدافع الرشّاشة الساهرين على حراسة شبكة الأسلاك الشائكة التي وضعها ضبّاط خبيرون بهذا النوع من الإنشاءات. سدّت هذه الشبكة منافذ المدينة على البساتين باستثناء مواضع معيّنة لا بدّ منها لمرور الأهالي دخولاً إلى المدينة أو خروجاً منها حيث يتمّ تفتيش المشبوهين بحمل السّلاح.
تُرْجِمَ هذا العمل الضخم إلى إثني عشر كيلومتراً من الشوارع وما يعادلها من الأسلاك الحديديّة. تناوبت طواقم الشغّيلة كل يوم من الفجر إلى الليل يعملون بلا توقّف تحت إشراف ضبّاط مخلصين ونشطاء. أُنْجِزَت القطاعات الشماليّة من المدينة (٢) في الواحد من كانون الثاني يناير عام ١٩٢٦ أي بعد عشرين يوماً فقط من بداية التنفيذ وشغلتها الوحدات المسلّحة بالمدافع الرشّاشة على التوّ. شهدت نهاية نفس الشهر إتمام القطاعات الجنوبيّة وأحاط نطاق من الحديد دمشق مع بداية شباط فبراير وهكذا اطمأنّ الناس وتلاشى قلق البعض من أن يقوم بعض المحرّضين، ممّن لا وازع لهم من ضمير، بدفع المسلمين المتعصّبين إلى ارتكاب المجازر ضدّ المسيحييّن إذ أصبح هذا من المستحيلات.
ما كان للأعمال أن تنفّذ دوماً في سلام واضطُّرّت كتائب الحماية أحياناً إلى الاشتباك في معارك حقيقيّة لتشتيت العصابات التي جهدت في إثارة المشاكل ومع ذلك لم ينقطع العمل يوماً واحداً.
يتعيّن في هذا السياق إعطاء المهندس مدير الأعمال ما يستحقّه من رصيدٍ هو وضبّاط الهندسة العسكريّة ومعاونيهم وضبّاط المشاة ورؤساء الورشات الذين استطاعوا خلال شهرين، بدأبٍ ونشاطٍ لا يعرفان الكلل، إنجاز عمل يتطلّب أكثر من عامٍ فيما إذا نفّذ على الهوينا. في هذا مثال آخر على تفاني الفرنسييّن الذين يخدمون وراء البحار وإخلاصهم الذي لا تشوبه شائبة. قد نلاحظ في المستعمرات إخفاقات فرديّة ومع ذلك يبقى العمل الجماعي مثيراً للإعجاب بفضل التزام المسؤولين وشعورهم بالواجب .
يتبع
تبيّن الخريطة الملحقة الشوارع ("المحلّقات" إذا شئنا) التي أنشأها الفرنسيّون خارج دمشق xxxxx ونرى المراكز بينها ممثّلةً بدوائر صغيرة. الخطّان المتوازيان المتقطّعان يمثّلان نقاط التمركز الداخليّة (وإن بقيت خارج سور المدينة القديمة) غرب القلعة وجنوب محطّة الحجاز (القنوات).
(١) استعمل الجنرال Andréa مصطلح mairie ولا أعلم إذا قصد به بناء البلديّة أم السرايا. في كلّ الأحوال المسافة بينهما لا تتعدّى عشرات الأمتار.
(٢) علّ أهمّها ما عرف لاحقاً باسم شارع بغداد.
No comments:
Post a Comment